محاولات أقلمة البصرة تتطاير مع عواصف العراق الأمنية والسياسية

السومرية نيوز / البصرة
أكد سياسيون في محافظة البصرة، الخميس، أن الدعوات والتحركات السياسية الرامية لجعل المحافظة إقليماً فدرالياً تراجعت الى أدنى حد بعد أن بلغت ذروتها خلال الانتخابات، وعزوا التراجع الى التطورات الأمنية والسياسية.

وقال العضو المستقل في مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "سبب تصاعد وتيرة الدعوات لاقامة إقليم البصرة خلال فترة الانتخابات ومن ثم تلاشيها هو لأن تلك الدعوات كانت مجرد دعاية انتخابية"، معتبراً أن "مثل هكذا دعوات لن تنجح".

ولفت السليطي، وهو رجل دين بارز في المحافظة، الى أن "المادة 119 من الدستور التي تجيز للمحافظات تكوين أقاليم تعد صمام أمان للمحافظات، ولا يجب إلغاؤها أو حذفها في حال إخضاع الدستور للتعديل".

وتنص المادة 119 من الدستور على أنه "يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه".

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي رشيد الفهد فإن "الشخصيات السياسية التي تتبنى مشروع اقليم البصرة لم تغادر الساحة السياسية، والرغبة بتأسيس الاقليم موجودة، لكن الأزمة الحالية عطلت المشروع"، موضحاً في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "القوى السياسية التي تعتزم تأسيس الاقليم تدرك أن الوقت غير مناسب لمشروعها، خاصة مع تزايد تخويف الناس من فكرة الأقاليم بعد ظهور دعوات من قوى سياسية سنية لتأسيس أقاليم، وكذلك تلويح رئاسة اقليم كردستان بالانفصال عن العراق وجعل الاقليم دولة".

من جانبه، قال النائب السابق وائل عبد اللطيف في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "القوى السياسية المتنفذة التي تحارب مشروع إقليم البصرة أصبحت أقوى من السابق، وهي تستمد قوتها من إرادة الجماهير"، مبيناً أن "القوى السياسية التي تريد إقامة إقليم البصرة هدأت من خطابها وقللت من تحركاتها في المرحلة الحالية لأن اتجاهات الشارع ضد المشروع".

وأشار عبد اللطيف الى أن "التطورات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة أثرت بشكل محدود على مشروع الاقليم"، مضيفاً أن "محافظة نينوى لو كانت إقليماً لما سقطت بسهولة بيد تنظيم (داعش) الإرهابي، لكن لان القوات العسكرية فيها تتلقى أوامرها من بغداد فقد كان سقوطها سريعاً".

ويعد عبد اللطيف أول من حاول جعل البصرة إقليماً بعد عام 2003، حيث تمكن أواخر عام 2008 من الحصول على تواقيع 2% من الناخبين، وقدم طلباً رسمياً إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإجراء استفتاء على تشكيل إقليم البصرة الفدرالي، لكن محاولته لم تكلل بالنجاح بسبب تعذر الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين، وهي المرحلة التي تمهد في حال نجاحها لإجراء استفتاء جماهيري.

وفي عام 2010 وقع غالبية أعضاء مجلس المحافظة على طلب يدعون فيه إلى تحويل البصرة لإقليم، وأرسلوا الطلب إلى مجلس الوزراء لإصدار أوامره إلى المفوضية من أجل الإعلان عن مدة معينة يتم خلالها الترويج للمشروع من قبل القوى السياسية الداعمة له، وبعدها يتم تحديد موعد لإجراء استفتاء جماهيري في البصرة، لكن مجلس الوزراء لم يرد رسمياً على ذلك الطلب، فيما تحرك مجلس المحافظة أواخر العام الماضي 2013 مرة ثانية لتأسيس اقليم البصرة، ولوح بمقاضاة مجلس الوزراء في حال تجاهله أو رفضه طلب تأسيس الاقليم الذي وقع عليه 12 من أصل 35 عضواً.

أما أول محاولة ذات طابع انفصالي فتعود الى عام 1921 عندما قدم عدد من رجال الدين وشيوخ العشائر والسياسيين والتجار البصريين طلباً يحمل تواقيعهم الى الحكومة البريطانية جاء فيه "لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء أحب إليهم من أن يسيروا جنباً الى جنب على اسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين، وعلى العالم عموماً، ولكنهم يعتقدون بأنه لا يمكن الوصول الى هذه النتيجة إلا بمنح البصرة استقلالاً سياسياً منفصلاً.

يشار الى أن مواقف القوى السياسية في البصرة تتباين بشأن تطبيق الفدرالية، حيث تعارضها بعض الأحزاب والحركات جملة وتفصيلاً، فيما تؤيدها أخرى بنسب متفاوتة، كما تطمح جهات سياسية إلى تشكيل إقليم فدرالي تكون عاصمته البصرة ويتألف من ثلاث محافظات هي وميسان وذي قار، وأخرى ترى أن الصيغة الأمثل لتطبيق الفدرالية تكمن في تأسيس إقليم تكون عاصمته النجف ويضم تسع محافظات من الجنوب والفرات الأوسط.

ومن الملاحظ أن العديد من المسؤولين المحليين يؤيدون مشروع الاقليم في الخفاء لكنهم يرفضون في العلن الإفصاح عن آرائهم بهذا الصدد لمجرد أنها مناقضة لمواقف أحزابهم وحركاتهم التي توجد قياداتها السياسية في العاصمة.

يذكر أن محافظة البصرة التي تطل على الخليج العربي من أقصى جنوبها، تحظى منذ زمن بعيد بأهمية قصوى في المجالات الإقتصادية والسياسية والأدبية والثقافية، فعلى المستوى الاقتصادي تعتمد عليها موازنة الدولة العراقية منذ عقود من الزمن بحكم ثرواتها النفطية الهائلة، كما تمتلك المحافظة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن مصانع وموانئ تجارية كبيرة.

ومن الناحية السياسية فإن الكثير من ساسة البصرة كانوا يتمتعون بنفوذ داخلي واقليمي كبير منذ العهد العثماني، ومن الناحية الثقافية والأدبية فقد أنجبت المحافظة بعض أكثر العلماء والشعراء والأدباء العرب شهرة، ونتيجة لهذه الأهمية فقد ظلت البصرة لعقود من الزمن تتعامل بفوقية مع محيطها الإقليمي، كما أن النزعة الإنفصالية لم تفارقها.