"الرحيل نهائيا من العراق"، عبارة لا تفارق لسان معظم المسيحيين المهجرين من الموصل، إذ رسمت أحداث الموصل وما تلاها من ممارسات لتنظيم "داعش" شديدة التطرف صورة قاتمة لمستقبل المسيحيين في العراق، جعلتهم أمام خيارات صعبة أحلاها مر.
السومرية نيوز / دهوك
"الرحيل نهائيا من العراق"، عبارة لا تفارق لسان معظم المسيحيين المهجرين من الموصل، إذ رسمت أحداث الموصل وما تلاها من ممارسات لتنظيم "داعش" شديدة التطرف صورة قاتمة لمستقبل المسيحيين في العراق، جعلتهم أمام خيارات صعبة أحلاها مر.
لا مال ومأوى ولا أمل، جعلت الخروج من العراق لا مناص منه، بالنسبة لأبو عمار بعدما استولى تنظيم "داعش" على منزله الذي فنى فيه عمره من اجل بنائه في مدينة الموصل، ويقول لـ"السومرية نيوز"، "فقدت كل شيء وأحس بأنني مواطن ليس له حقوق وواجبات في هذا الوطن".
ويتساءل أبو عمار وهو رجل ستيني "كيف لي أن أعد هذا البلد وطني وهذه هي المرة الرابعة التي يتم تهجيري مع أسرتي من مدينتي الموصل بسبب هويتي المسيحية؟"، مبينا أن منزله وسيارته وأثاث بيته وأمواله "استولى عليها تنظيم داعش أيضا، وطردنا من الموصل قسرا، ما جعلنا غير قادرين على مواصلة حياتنا في ظل هذا التهديد".
ويشير أبو عمار الى أنه "لا علاقة لي بالسياسة ولا بأي جهة دينية أو مذهبية، ولا أعرف ما الجريمة التي ارتكبتها لكي يتم طردي من منزلي"، مؤكدا "أستعد حاليا للرحيل نهائيا من العراق، رغم أنني لا أعرف إلى أين سأتجه".
وليس أبو عمار النازح المسيحي الوحيد الذي يستعد للرحيل عن العراق، فهجرة المسيحيين والأقليات الدينية والقومية من العراق باتت عملية مستمرة منذ سنوات على خلفية العمليات المسلحة التي استهدفتهم.
ويقول قس كنيسة المشرق الآشورية الخوري يوسف، في قضاء تلكيف (5 كم شمال الموصل)، لـ"السومرية نيوز" إن "عددا من الأسر المسيحية التي نزحت مؤخرا من الموصل إلى قضاء تلكيف بدأت بالخروج من العراق بهدف اللجوء إلى دول أوروبية وغربية"، لافتا إلى أن "المسيحيين والأقليات تعيش مأساة حقيقية في العراق في ظل صمت الجهات الدولية".
ويضيف يوسف أن "هناك عملية منظمة تهدف الى تفريغ العراق من مكوناته الأصيلة"، داعيا إلى "تدخل دولي لتوفير الأمن للمسيحيين والأقليات الأخرى للتمكن من البقاء".
وبحسب مديرية شؤون الديانة المسيحية في وزارة أوقاف إقليم كردستان، فأن أكثر من 300 أسرة مسيحية نزحت من مدينة الموصل إلى مناطق سهل نينوى وإقليم كردستان تاركة كل ممتلكاتها ومقتنياتها وتسكن حاليا داخل الكنائس والمدارس والمباني العامة.
وتعتبر مدينة الموصل أكثر المدن العراقية التي تتمتع بتنوع ديني وقومي منذ آلاف السنين، إذ تتواجد في المدينة القوميات العربية والكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية والسريانية والأرمنية، والمكونات الكاكائية والشبكية وأتباع الديانات الإسلامية والمسيحية والأيزيدية والصابئة.
كما تعد الموصل مركزا آثاريا للحضارة الآشورية، وشهدت المدينة موجات من الهجمات على المسيحيين منذ عام 2003، ما أدى الى تقلص سكانها من أبناء هذه الديانة.
وكان المسيحيون يشكلون نسبة 3.1 بالمائة من السكان في العراق وفق إحصاء أجري عام 1947، وبلغ عددهم في الثمانينيات بين مليون ومليوني نسمة، وانخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينيات وما أعقبها من حروب وأوضاع اقتصادية وسياسية متردية، كما هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الخارج بعد عام 2003.
ويضم العراق أربع طوائف مسيحية رئيسية هي الكلدان أتباع كنيسة المشرق المتحولين إلى الكثلكة، والسريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، وطائفة اللاتين الكاثوليك، والآشوريين أتباع الكنيسة الشرقية، إضافة إلى أعداد قليلة من أتباع كنائس الأرمن والأقباط والبروتستانت.