السومرية نيوز/ كركوك
مع وصول الآلاف من النازحين إلى كركوك، تم تسجيل عدد كبير من حالات عمل طلاب متفوقين في مهن بسيطة لكسب قوت عوائلهم، ما وضع منظمات المجتمع المدني أمام مهمة صعبة ودفعها الى العمل بأقصى طاقتها لتعويض غياب الدعم الحكومي لفتيان تقطعت بهم الأسباب.
من تمكن من مغادرة أراضي نينوى، اليوم، كمن يحصل على شهادة ميلادٍ جديدة، فكيف إذا كان أحدهم تفوق دراسياً رغم كل الألم، وعينه ترنوا لمستقبل أفضل.
عمر خلف عبد القادر، فتى عراقي يبلغ من العمر 18 عاماً، حصل على معدل 97% في الفرع العلمي للعام الدراسي الجاري، ومع اجتياح "داعش" الذي مزق مستقبل آلاف الشباب، هرب عبد القادر مع عائلته من بلدتهم الأم تلعفر، ونشدوا الخلاص بأية وسيلة، ليصلوا أخيراً إلى مكان آمن نسبياً. في كركوك، بدأ من الصفر وانطلق برحلة عمل مضنية لتوفير لقمة العيش ومصاريف الدراسة المكلفة، لكن المؤسسات الحكومية ليس لها دور في مساعدته بتاتاً.
"أحرزت معدلاً يؤهلني لدخول كلية الطب، والنزوح لم يكن عائقاً أمام الاجتهاد"، هكذا يقول عبد القادر في حديث لـ السومرية نيوز، بينما ينهمك بالعمل ماسكاً معوله ويحاول تحاشي أشعة الشمس القوية.
ويضيف عبد القادر، "نزحنا بعد دخول تنظيم داعش الى قضاء تلعفر تركنا كل شيء وبدأنا من الصفر نبحث عن منزل يؤوينا وكان حلمي نيل معدل يؤهلني لدخول كلية الطب، وهذا ما حققته في الامتحانات الأخيرة العام الحالي بفضل الله"، مبينا أنه "يعمل الآن في مشتل لبيع النباتات والزهور".
ويثني عبد القادر على صاحب المشتل، ووصفه بأنه "إنسان رائع يساعده"، مبينا أنه "يتقاضى 15 ألف دينار يومياً يقوم يجمعها لتوفير المال لدراستي في المرحلة الأولى من كلية الطب".
أما حسين البجاري، طالب نازح آخر يقطن كركوك التي نزح لها من نينوى، يجر عربة خشبية تضم بين زواياها الأربع فواكه وخضر يوزعها على أصحاب العربات في سوق الخان الكبير وسط المحافظة، بينما يقول في حديث لـ السومرية نيوز، إن "حياة الطالب في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة تلخص ما فعله مجرمو العصر داعش والساسة الفاسدين سارقي قوت الشعب".
ويوضح البجاري بالقول، "انقل الحمولة الواحدة مقابل ألف دينار، وأكملت عامي الدراسي بتفوق وأعيل عائلتي"، مشيرا الى أن "صاحب المحل من القومية الكردية ويساعده بالمال ويعلم ظروفه المالية".
ويطري البجاري بشدة على أهالي كركوك، مؤكدا أنهم "طيبون واستقبلوهم في بيوتهم وفتحوا لهم كلياتهم وتقاسموا لقمة العيش معهم".
ويلفت البجاري الى، أن "المئات من طلبة الكليات باتوا يزاحمون الحمالين والعاملين في ساحة تجمع العمال بحثاً عن فرصة عمل".
غياب حكومي
الناشط في منظمات المجتمع المدني احمد خليل يقول في حديث لـ السومرية نيوز، إن "كركوك استقبلت نحو ٧٥٠ ألف نازح، بينهم أكثر من ٢٠ ألف طالب من ست جامعات، وهي الانبار والفلوجة وتكريت والموصل ونينوى وتلعفر والحمدانية"، مبينا أن "سوق العمل في المحافظة يشهد ضغطاً كبيراً مع هذا الكم الهائل من الشباب وغياب الدعم الحكومي".
ويوضح خليل، أن "منظمته وثقت رسمياً وجود أكثر من ١٠٠ ألف شاب يبحثون عن فرص عمل"، مبينا أن "دائرة العمل في كركوك ليس من صلاحياتها تسجيل آلاف العاطلين من باقي المحافظات لأنها ملزمة بسكان المحافظة حصراً".
وتابع خليل، أن "مجالس المحافظات وإداراتها لم يساعدوا طلبة ونازحي الى كركوك ولم يفعلوا مشاريع صغيرة تساعدهم في توفير فرص عمل سريعة"، مؤكدا أن "سوق العمل في كركوك مصاب بالركود بسبب ارتفاع معدل الأيدي العاملة وقلة فرص العمل".
ويدعو خليل الحكومة الى "إيجاد حلول سريعة لمشكلة النازحين عن طريق تأمين عودة سريعة لمدنهم كي يعمروها وتعود الحياة إليها".
وكان رئيس مجلس كركوك ريبوار الطالباني دعا، السبت (28 تشرين الثاني 2015)، مجلس النواب الى العمل على إعادة العوائل النازحة لمناطقها، عازيا السبب الى عدم قدرة المحافظة على توفير احتياجاتهم وتحمل "أعباء مالية" فرصت عليها.
وشهد العراق أكبر موجة نزوح في تاريخه وذلك بعد سيطرة عناصر تنظيم "داعش" على عدد من المدن والأقضية والنواحي في غرب وشمال العراق، قبل أن تتمكن القوات العراقية من استعادة السيطرة على العديد من تلك المناطق.