وقال الكاتبان نوكس تيمز وسرمند حمه سعيد -في مقال نشره معهد الولايات المتحدة للسلام- إن جهود الأطراف السياسية العراقية لتشكيل حكومة جديدة لا تزال تواجه طريقا مسدودا رغم مرور 5 أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة، تحت ضغط الاحتجاجات الحاشدة ضد نظام الحكم غير الفعال في البلاد.
ورأى الكاتبان أن تشكيل عراق أكثر استقرارا وسلاما -والاستجابة لمطالب المحتجين بإقامة حكم ديمقراطي وخاضع للمساءلة- سيتطلب شمولا كاملا للأقليات العرقية والدينية في العراق. ومع ذلك، فإن الآفاق لا تزال غير واضحة، والأقليات العراقية تراقب عن كثب لأن مستقبلها يعتمد على ذلك.
وعكست انتخابات تشرين الأول 2021 في العراق الآثار الإيجابية للحركة الاحتجاجية التي قادها الشباب إلى حد كبير، والتي أجبرت البرلمان عام 2020 على إقرار قانون انتخابات -من بين إصلاحات أخرى- سهّل انتخاب المستقلين.
ويتفق المراقبون العراقيون والدوليون بشكل عام على أن الانتخابات كانت الأكثر نزاهة من الناحية الفنية منذ عام 2005، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى لجنة الانتخابات الجديدة والمراقبة الدولية المهمة، وكانت إحدى النتائج أن الأحزاب الشيعية النافذة خسرت مقاعد.
ويرى الكاتبان أنه يمكن للحكومة التي لا تزال قيد التشكيل أن تخفف هذه المشكلة بالتعيينات والسياسات لتعزيز أصوات الأقليات، لكن لا يزال من غير الواضح إذا كانت ستهتم بفعل ذلك.
ويذهب الكاتبان إلى اعتبار دمج الأقليات مهمة معقدة بالنسبة للنظام الديمقراطي في العراق، وهو بلد يضم عدة أطياف دينية وعرقية مثل الإيزيدية والزرادشتية، وكان أيضاً مهدا لليهودية والمسيحية، كما يضم طوائف أخرى مثل الشبك والصابئة المندائيين والكاكائيين والبهائيين، حتى الأغلبية المسلمة متنوعة، مع وجود مذهبين إسلاميين كبيرين: السنة والشيعة.
أقليات آخذة بالانكماش
ومع ذلك، فإن الأقليات العراقية الضاربة في الجذور آخذة في الانكماش بشكل كبير، ولا يزال بعضها يواجه هجمات عنيفة يشنها تنظيم "داعش" أو جماعات مسلحة أخرى، ولا يزال كثيرون يعيشون في مخيمات النازحين، ومعظمهم يكافحون من أجل البقاء اقتصاديًا.
وأشار الكاتبان إلى أن موجات الهجرة أدت إلى خفض عدد السكان المسيحيين في العراق من 1.5 مليون عام 2003 إلى ما يقدر بنحو 250 ألفاً أو أقل، كما فر العديد من الإيزيديين والكاكائيين من العراق، لهذا يعد تعزيز تمثيل الأقليات في الحكومة أمرا ضروريا لحل هذه المشاكل.
وعزز دستور البلاد لعام 2005 جهود العراقيين لتمثيل تنوعهم في برلمانهم، وفي عام 2020 خصص قانون الانتخابات 9 مقاعد للأقليات؛ مقسمة بين الأديان والمناطق، ويتم تخصيص 5 منها للمسيحيين، وواحد مخصص لكل من الإيزيديين والشبك والصابئة المندائيين والأكراد الفيليين، بالإضافة إلى ذلك تم حجز ربع المقاعد للنساء، بما في ذلك مقعد مخصص في كل دائرة انتخابية.
ورغم عدم ممارسته في الولايات المتحدة، فإن حجز المقاعد للنساء أو الأقليات المحددة طريقة تستخدمها العديد من البلدان لضمان تمثيل الأقليات في أعلى هيئة لسن القوانين وإعطاء مجتمعاتها صوتًا وإمكانية الوصول إلى صانعي السياسات.
البحث عن حل
ويرى الكاتبان أن الخطوة الحيوية التي يتعين على الحكومة العراقية الجديدة القيام بها هو ضمان التمثيل الحقيقي للأقليات في الحكم والحكومة، وتُظهر بيانات أبحاث معهد الولايات المتحدة للسلام منذ عام 2018 أن هذه المهمة لم تُنجز بعد، وربما تكون انتخابات 2021 قد أعادتها إلى الوراء أكثر.
وحسب المقال، فإن الأقليات في العراق تشعر بالعجز وعدم الأمان وسط عدم الاستقرار في العراق، وعدم اليقين بشأن مستقبلها. إذا لم تتم معالجة هذه المشاكل فستؤدي إلى موجات جديدة من الهجرة كلما فتحت بلدان في أوروبا وأميركا الشمالية أبوابها أمام المهاجرين.
ومهما كانت آليات الاستجابة، فقد أظهرت بيانات معهد الولايات المتحدة للسلام باستمرار منذ عام 2018 أن البرلمان والحكومة الفدرالية وحكومة إقليم كردستان العراق والمجالس الإقليمية والمحلية يجب أن تستجيب لحوكمة الأقليات واحتياجاتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
ويخلص الكاتبان إلى أنه على المدى الطويل قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاح الانتخابي، في ظل بقاء نوعية الديمقراطية في العراق ونسيج ثقافته المتنوعة على المحك. بينما تحاول الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم تعزيز الديمقراطية والسلام في مواجهة الحرب الجديدة في أوروبا والانقلابات المتسلسلة في منطقة الساحل الأفريقي، فإن تعزيز الدافع الديمقراطي للعراق -الذي انعكس في حركته الاحتجاجية والانتخابات الأخيرة- سيكون مكسبا ثمينا.