بقلم ياسين ك. فواز رئيس مجلس ادارة مجموعة Raddington
يُعتبر قرار الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتعيين الفريق المتقاعد مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي قرارا مهما وقويا. بالرغم من أنّ تعيين الجنرال الأميركي فلين سيزعج البعض في المجال الاستخباراتي الأميركيّ، إلا أنّ فلين يتمتّع بمقاربة شبيهة بريغن تجاه السياسات الأمنية الدولية. فهو يتبع المقاربة نفسها التي رسمت الانطباع الدوليّ لرونالد ريغن ألا وهو السعي لتعزيز السلام والازدهار في العالم. كما تثبته الوقائع، عارض الجنرال فلين سياسة البيت الابيض في عهد أوباما وطالب باعادة النظر كليا بالاستراتيجية العسكرية الاميركية.
تمّ رفض مطلبه وقام الرئيس أوباما بفصله. لكنّ هذه الشخصية الديمقراطية منذ القدم سرعان ما وجدت توافقا سياسيا مع المرشّح للرئاسة دونالد ترامب. من هنا، نشأ هذا التقارب الايديولوجيّ بين القائد الاستخباراتيّ الذي يُعتبر المناهض الأكبر للمؤسسات القائمة والمرشحّ الرئاسيّ الذي يوصف بأنه المناهض الأكبر في التاريخ للمؤسسات القائمة. السياسة الأمنية القومية الجريئة التي ترسمها مبادئ ورؤية ترامب/فلين هي ما يريده ويحتاجه الشعب الأميركيّ بالضبط وهي ما تتطلبه الولايات المتحدة في الوقت الحالي للنجاح على الصعيد الدولي. على مثال ترامب، يرفض فلين اللياقة السياسية ولا يقلّص حجم المخاطر التي تعترضنا في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة بداعي اللياقة السياسية. الحقائق التي يطرحها قد تبدو عدائية بالشكل ولكنّ ذلك لا يخفي انّها واقعية وشجاعة.
من خلال تصريحاته العلنية ومقابلاته الإعلامية وأفكاره المنشورة بما فيها كتابه الجديد "ميدان المعركة"، تتضّح المعتقدات والمبادئ التي يؤمن بها الجنرال فلين. في الواقع، إنّ فلسفته جديدة، تبثّ نفساً مختلفاً في بيئة مسيّسة تحيط بسياسة الدفاع الحالية التي أدّت للأسف إلى تحجيم النظام الأمني القومي الأميركي.
منذ أن كان رئيساً لوكالة استخبارات الدفاع، يُعرف عن الجنرال فلين بأنّه يسمّي الأشياء بأسمائها. من البديهيّ الإقرار بأننا نحارب ارهابيين اسلاميين راديكاليين وفي هذا الاطار يمتنع الجنرال فلين عن استخدام تعابير عادية وغير دقيقة ك "الارهاب العالمي" لوصف خطر مميت ووشيك. يدرك فلين بأنّ انتقاء التعابير المناسبة مهمّ جدا في الحرب ضدّ الارهاب. لن يأتي النجاح بين ليلة وضحاها لكنّ سياسة ترامب/فلين ستساهم في استيعاب حجم المخاطر التي نواجهها وبالتالي تمكنّنا من تحديد حجم الموارد العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية اللازمة لهزم الاسلاميين الراديكاليين.
دعا الجنرال فلين لسنوات عدّة إلى التعمّق أكثر في الأبعاد الاجتماعية والثقافية التي تحدّد ايديولوجيات القاعدة وحزب الله وداعش وأبو سيّاف ومجموعات جهادية أخرى. عدم التمكّن من فهم ايديولوجيات هذه المجموعات يشكّل خطرا على الشعب الأميركي ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وهذا لا يعني بأنّه يدعو إلى "القاء اللوم على الاسلام في كلّ شيء"، كما يدعّي منتقدوه، بل يؤكّد على وجود خلايا سرطانية خطيرة ضمن الاسلام تروّج لعدم الاستقرار في العالم. يعي الجنرال فلين بأنّه ما لم نحارب هذه الخلايا الخطيرة، فسينبعث المزيد من القادة الجهاديين والمحاربين الراديكاليين الذين سيهاجموننا في أرضنا في نهاية المطاف.
يبقى الجنرال فلين ملتزما بما يبدو أنّ ادارة أوباما لم تستطع اثباته وهو أنّ أميركا بطبيعتها استثنائية وهذا أمر لا يجب أن نخفيه أو نعتذر بشأنه. في سياق تمسكّه القويّ بالقيم الأميركية لا سيّما الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون والراسمالية، أثار الجنرال فلين حفيظة بعض الديمقراطيين والجمهوريين الداعمين للمؤسسات القائمة. سواء حين انتقد السعوديين حيال الاغفال عن توسّع السلفية الوهابية أو حين انتقد عدم توازن الموازنات العسكرية الأميركية ، برهن الجنرال فلين بأنه لا يخشى تحميل حكومة بلاده المسؤولية تجاه القيم التي تحدّد صراعنا.
هذا لا يعني أنّ الديمقراطية ستغلب بين ليلة وضحاها، فبالفعل، تحقيق الاستقرار هو المرحلة الأولى والأهم على المدى القصير والمتوسط خاصة في منطقة الشرق الأوسط، انما يعني أنه يجب الاقرار بالخير والشر والقبول بأنّ الولايات المتحدة عامل اساسيّ للحفاظ على الحقوق والقيم ولمحاربة من يعمل على فرض التوتاليتارية. القيم التي يعمل على اساسها الجنرال فلين من شأنها الحدّ من التوسّع الارهابي لطهران، ومن القضاء على داعش ومن تغيير مسار القتال الأميركي في الشرق الأوسط وبالتالي تحقيق السلام والازدهار.
أمّا الأهمّ في النهاية فهو أنّ الجنرال فلين يعتمد بجوهر رؤيته على سياسة جورج واشنطن وفرانكلن روزفلت ورونالد ريغن، وهو يدرك مثلهم تماما بأنّ الدفاع القويّ هو العامل الأساسيّ للأمن القومي. من خلال توليه منصب قائد كتيبة استخباراتية عسكريّة في أفغانستان وبعدها رئيس وكالة استخبارات الدفاع، استخدم الجنرال فلين تقنيات استخباراتية حديثة وطيارات من دون طيار في غاية التقنية مثل البيرداتور وقد أدّى ذلك إلى انجازات غير مسبوقة في محاربة الارهاب.
فالجنرال فلين يجمع بين القيم الصلبة والمعرفة القوية والالتزام المستمرّ والخبرة الدقيقة لتطبيق مقاربته تجاه الأزمات الأمنية الدولية.
الجنرال فلين يعي بأن الأمر قد يستلزم حلّ العقائد المتجذّرة. يمكننا في الواقع تسمية أعدائنا بالاسم، يمكننا اقناع الشعب الأميركي بأنّ الحرب ضد الأعداء ستستغرق سنوات عدّة قبل تحقيق النجاح، بامكاننا أن نهزم أعداءنا من خلال تكتيكات تشغيلية واستراتيجيات ايديولوجية جديدة.
لذا، فإنّ الجنرال فلين على الرغم من العدائية التي يصفه بها البعض يملك الشجاعة ما يكفي ويتمتّع بالنزاهة والقيم اللازمة من لتبقى أميركا دولة آمنة وقوية لسنوات وسنوات.
ياسين ك. فوازرئيس مجلس ادارة مجموعة Raddington ، شركة متخصصة بادارة المخاطر، مركزها في واشنطن.
يملك ياسين فواز خبرة في مجال الأمن الدولي وقد قدّم استشارات استراتيجية عالية المستوى في الشؤون الأمنية والسياسية في آسيا، أميركا الاتينية، الشرق الأوسط وأفريقيا
مصدر الخبر الأساسي: The Daily Caller