بقلم بيتر فريرا ، المستشار العام القانوني في مجموعة Raddington
تحمل سياسة الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغن عنوان "تحقيق السلام من خلال القوة" ما قد يوحي بأنها القوة العسكرية، إلاّ أنّ النتيجة أتت عكس توقعات الكثيرين. بيد أنّ القوة ضرورية لتحقيق ما حققه الرئيس ريغن. في هذا السياق، وصفت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر أداء ريغن بالعبارة الشهيرة التالية: "ربح ريغن الحرب الباردة من دون اطلاق رصاصة واحدة".
انطلاقاً من التعيينات التي يقوم بها الرئيس المنتخب دونالد ترامب في مجال الأمن القومي، يبدو أنّه مؤهّل كليا لاتباع سياسة الرئيس ريغن "تحقيق السلام من خلال اعتماد سياسة القوة". القرار الأبرز في هذا الاطار هو تعيين الفريق المتقاعد مايكل فلين بمنصب مستشار الأمن القومي. إضافة إلى مسيرته العسكرية الطويلة كمحارب دفاعا عن سلامة وأمن الشعب الاميركي، يتمتّع الجنرال فلين بالقدرات اللازمة لاعادة احياء نظام الأمن القومي الذي كان سائدا على عهد الرئيس ريغن.
بدأ فلين مسيرته العسكرية برتبة ملازم ثاني في الاستخبارات الأميركية عام 1981. بعد بضعة سنوات، تم ارساله بمهمّة عسكرية خارج الولايات المتحدة تقضي بتحرير غرينادا. كانت هذه المهمة الاولى من سلسلة مهام قتالية ضمن فرقة 82 المجوقلة و فيلق 18 المجوقلة ووحدات عسكرية رفيعة اخرى.
لكنّ الدور الكبير الذي سلّط الضوء على الجنرال فلين كان في العراق وأفغانستان حيث ترأس العمليات الاستخباراتية في قيادة عمليات القوات الخاصة المشتركة في بغداد، تحت امرة الجنرال ستانلي أ. ماكريستال. دوره ساهم بشكل أساسيّ في خرق تنظيم القاعدة في ذاك الوقت. حين تولّى الجنرال ماكريستال قيادة القوات الأميركية في أفغانستان، عيّن معه الجنرال فلين رئيسا للاستخبارات. بإقرار من قادة عسكريين ومدنيين، شكّل فلين القوة الدافعة التي أدّت إلى تنفيذ أكبر وأنجح العمليات ضد الارهاب في التاريخ المعاصر.
في العام 2012، عيّن الرئيس باراك أوباما الجنرال مايكل فلين، ديمقراطيّ منذ القدم، رئيسا لوكالة استخبارات الدفاع التي هي في الأصل وكالات الاستخبارات المركزية الداخلية للبنتاغون. خلال الحرب الباردة، كانت المهمة الاساسية لوكالة استخبارات الدفاع تقوم على تقييم وتقدير التطور العسكري وترسانة السلاح السوفيتية. ساهم ذلك في بناء سياسة دفاع الرئيس ريغن التي أدّت إلى كسب الحرب الباردة، والتي تعتبر في أيامنا هذه عاملا أساسيا في نظام الامن القومي.
غير أن العلاقة المتوترة سرعان ما بدأت تتطور بين أوباما وفلين الذي رفض قولبة آرائه العسكرية المخضرمة على قياس حاجات اوباما السياسية. وقد بدأ ذلك ابان اعتداء بنغازي الذي وقع بعيد تسلّم فلين قيادة وكالة استخبارات الدفاع. اخبر اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون العالم أن اعتداء بنغازي ناجم عن عصابة غير منظمة أغضبها فيلم من انتاج فنان مغمور من كاليفورنيا. حتى ان الرئيس اوباما روى قصته الخيالية في مقر الامم المتحدة.
الا ان الاستخبارات العسكرية كانت تعرف ان من قام بالعملية هم مقاتلون مدربون مدججون بالاسلحة. بعد اعادة انتخابه في عام 2012 مدعوما بقصة موت بن لادن وافول نجم القاعدة، اعترف اوباما ان ذريعة الفيلم غير صحيحة. أما هيلاري كلينتون فاعادت سرد قصتها السياسية المزيفة حول فيلم بنغازي امام عيون اهل الضحايا الثكالى. واذا ما اضطر رئيس من الحزب الجمهوري للاعترف انه مارس ضغوطا على الاستخبارات العسكرية لتعديل تقارير تتضمن وقائع مثبتة حول الحادثة فالعواقب ستكون وخيمة جدا.
لم ينته التوتر بين اوباما وفلين عند هذا الحد، فعندما ارتأى اوباما حذف كلمات "الارهاب الاسلامي المتطرف" من معجم ادارته كان فلين يفقه جيدا ويكرر دوما ان تلك الكلمات هي الوصف الحقيقي للعدو الذي يحاربه الجيش.
لم يقبل فلين ان يطوّع التقارير الاستخباراتية العسكرية في سبيل دعم خطاب اوباما السياسي الذي يؤكد ان تنظيم القاعدة في طور الانسحاب والضمور بعد القضاء على زعيمه لانه كان يعرف ان الوقائع التي اظهرتها الاستخبارات العسكرية تناقض نظرية اوباما. وبعد اعادة انتخاب اوباما، وشروع وسائل الاعلام التي يتحكم بها الحزب الديمقراطي بترداد خطابه السياسي، قام الاخير بطرد الجنرال فلين المحارب المخضرم ذي الباع الطويل في الاستخبارات.
اثبتت التجربة مع اوباما ان فلين لا يهاب مواجهة المؤسسة العسكرية والمدنية في سبيل مصلحة الوطن وهذه هي الصفات تحديدا التي نريد مستشار الامن القومي ان يتمتع بها. ان خبراته تخوله ان يدرك أن روسيا تواجه خطر الارهاب الاسلامي المتطرف تماما مثلما نواجه نحن وبالتالي فان اي تحالف بين الولايات المتحدة الاميريكية وروسيا قد يكون مثمرا تماما كما اعرب الرئيس المنتخب ترامب في تصريحاته الاخيرة. الا ان فلين لم يخف تسمية الامور باسمائها عندما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الديكتاتور التوتاليتاري الدّموي". ان هذا التآزر بين الواقعية السياسية والالتزام بمبادئنا هو ما يميّز الجنرال ويجعله مؤهلا ليكون مستشار الرئيس ترامب في كافة مسائل الامن.
تحدثت مع خبير الامن الدولي وصديق فلين السيد ياسين فواز وقد اعرب عن ثقته بفلين كمستشار للامن القومي قائلا: "خلّف الرئيس اوباما فراغا دوليا على مستوى القوة وقد استغلت دول معادية مثل ايران هذا الفراغ. لقد تعزز زخم اعدائنا حول العالم وتمكنوا من التفلت من العقاب. لكنني اجزم لك انه مع تولي الجنرال فلين مسؤولية الامن القومي سوف نغيّر مجرى الاحداث سريعا ونضع حدا للاعداء بفضل قوة الجيش الاميريكي."
لا شكّ في انّ الجنرال فلين يعيد احياء المبادئ التي تذكّرنا بالرئيس ريغن. اختلف الرئيس السابق ريغن عن الرؤساء ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد وجيمي كارتر من خلال وقفته الجريئة دفاعا عن القيم الاميركية وذلك باستعراض القوة تجاه تمدّد الاتحاد السوفياتي. لكنّ الرئيس ريغن كان يدرك تماما احتمال التقاء الأهداف الأميركية والسوفيتية واستعداده للتفاوض (لكن ليس على حساب قيمنا الجوهرية) أدّى إلى توقيع معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 1987 ، الخطوة التي مهّدت الطريق لانتهاء الحرب الباردة.
يخدم الجنرال فلين وطنه بعد ثلاثة عقود من حكم ريغن الا ان سياسته الخاصة بالامن القومي هي الاكثر التصاقا بسياسة ريغن. تحقيق السلام من خلال القوة هو السبيل الوحيد لحماية مصالح اميركا ومجابهة الاخطار الامنية الهائلة التي تهدد وطننا من الارهاب في الشرق الاوسط الى التوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي. انه الرجل الافضل لتولي مهمة مستشار الامن القومي المصيريّة. وطننا في ايدي قيادة أمينة.
بيتر فرارا، المستشار العام القانوني في مجموعة Raddington. عمل في البيت الابيض في مكتب تطوير السياسة في عهد الرئيس رونالد ريغان وشغل منصب مساعد وكيل النائب العام في الولايات المتحدة على عهد الرئيس جورج هربرت والكر بوش