Alsumaria Tv

"امير النفط".. من هو العراقي الذي أنقذ النرويج

2022-11-23 | 05:31
Alsumaria Tv https://www.alsumaria.tv/authors
"امير النفط".. من هو العراقي الذي أنقذ النرويج

تمتلك النرويج -كما الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا- قطاعاً نفطياً مربحاً جداً، ولم يصبح هذا القطاع كذلك إلا في العقود الأربعة الأخيرة وكان هذا التحول بفضل مهندس عراقي موهوب يُدعى “ فاروق قاسم”. لنرجع بالزمن قليلاً ولنتعرف على قصة هذا التحول.

البداية 
في عام 1952، وافقت شركة نفط العراق التي يسيطر على مناصبها العليا البريطانيون، على مضض، على تدريب الشباب العراقي للعمل جنبا إلى جنب مع نظرائهم البريطانيين في الشركة.

كان العراقي فاروق القاسم أحد هؤلاء الشباب، قبل أن يقع عليه الاختيار لدراسة جيولوجيا البترول في "إمبريال كوليدج" في لندن. عاد إلى العراق في عام 1957، وقد تزوج من سيدة نرويجية تدعى سولفريد"Solfrid" ، كانت تعمل مربية لدى عائلة إنكليزية في لندن.

بعد عودته إلى العراق، بدأ القاسم حياته العملية في صفوف شركة النفط الحكومية العراقية "شركة نفط العراق (IPC)". وانتقلت العائلة إلى مدينة البصرة في جنوب العراق، حيث سرعان ما ارتقى فاروق القاسم في السلم الوظيفي، وأشرف على كميات هائلة من النفط والمال، وأصبح مسؤولا تنفيذيا رفيع المستوى في الشركة، التي كان يسيطر البريطانيون على المناصب العليا داخلها آنذاك.

في عام 1968، كان "فاروق القاسم" أمام قرار مهم من شأنه أن يغير حياته وحياة أسرته الصغيرة. ما لم يكن يعرفه في ذلك الوقت أن هذا القرار سيكون له تأثير عميق على مستقبل النرويج أيضا.

وفي مقابلة مع التلفزيون الكندي، يروي "فاروق القاسم" كيف بدأت الحكاية قائلا: "ولد ابننا الأصغر مصابا بالشلل الدماغي، واتضح أن النرويج كانت من أفضل الدول في العالم لعلاج الشلل الدماغي".

أراد "فاروق" وزوجته رعاية أفضل لابنهما المريض، لذلك انتقلا إلى النرويج. كان ذلك في مايو/أيار 1968 وكان "القاسم" قد استقال لتوه من منصبه في شركة نفط العراق.

وللقيام بذلك، كان عليه أن يذهب إلى المملكة المتحدة، حيث المقر الرئيسي لاتحاد الشركات الغربية التي لا تزال تسيطر على معظم إنتاج النفط في بلاده.

يروي "القاسم" تفاصيل اللقاء الأخير بينه وبين الإدارة التنفيذية في لندن في حوار مع صحيفة أكسبريسن المسائية في السويد: "عندما أخبرت رئيسي في لندن بقرار الاستقالة، قال: اللعنة عليك يا فاروق. كنا نعتمد عليك. الآن أنت تخذلنا".

ضغط المدير على "القاسم" من أجل البقاء، لكنه تشبث بقراره، موضحا أن النرويج هي الوحيدة التي قدمت الرعاية التي يحتاجها ابنه. في النهاية، رضخ رؤساؤه.

وفي الوقت عينه، كان العراق يقترب من تأميم الأصول النفطية، ولم يرغب النظام بقيادة "عبدالكريم القاسم" في خسارة شخصية رئيسية في مستقبل النفط العراقي. في النهاية، تمكن "القاسم" من الوصول إلى أوسلو بعد أن أكد للسلطات العراقية أن الرحلة مؤقتة وأيضا لأسباب طبية. ربما ليست كذبة كاملة، ولكنها ليست الحقيقة الكاملة أيضا.

عندما غادر "فاروق" العراق في سن الحادية والثلاثين، لم يترك وراءه وطنه الأم فحسب، بل ترك أيضا وسائل الراحة الفاخرة في البصرة، حيث منحته المهنة الناجحة أسلوب حياة مزدهر للطبقة الوسطى العليا في البصرة. كان الرقم خمسة في ترتيب المديرين في الشركة وأعلى رتبة بين العراقيين، وكان لديه سائق خاص ومنزل مع بستاني.

لكنه في النرويج، سيضطر للعيش مع عائلة زوجته "سولفريد" حتى يتمكن من العثور على عمل.

كان "فاروق" يشك في أنه سيحظى بفرصة عمل جيدة في مجال اختصاصه، نظرا لأن النرويج لا تملك النفط.

ربما لم يكن "القاسم" يعرف في ذلك الوقت أن التنقيب عن النفط كان جاريا على الجرف القاري النرويجي في بحر الشمال، وحتى لو كان يعلم، فما كان ذلك سببا كبيرا للأمل، فبعد 5 سنوات من البحث، لم يتم العثور على النفط، وفق ما جاء في التقرير.

البداية الثانية
 
في 28 مايو/أيار 1968، كانت مشكلة "القاسم" الأكثر إلحاحا في صباح ذلك اليوم، هي كيفية قضاء يومه في العاصمة أوسلو.
يروي "فاروق" في كتاب "فاروق القاسم.. السر وراء مغامرة النفط النرويجية"، الصادر عن دار نشر تون عام 2010، قائلا: "قررت أن أذهب إلى وزارة الصناعة وأسألهم عما إذا كانوا على علم بأي شركات نفط قادمة إلى النرويج، وليسأل عما إذا كان لديها قائمة بشركات النفط العاملة في البلاد".

بعد وصوله، كان "القاسم" في مقابلة عمل غير متوقعة، واتضح أن هيئة النفط النرويجية، حديثة التكوين نسبيًا والتي تتألف من 3 موظفين بيروقراطيين في مُقتبل العمر، كانت تغرق في فيض من البيانات المعقدة التي بالكاد كان لدى أي شخص في النرويج المهارات والمعرفة اللازمة للتعامل معها.

لذلك كان هؤلاء الموظفون بحاجة إلى جيولوجي نفط لتفسير نتائج اختبارات الحفر الجديدة في بحر الشمال. تم توظيفه على الفور، براتب أعلى من راتب رئيس مجلس الوزراء حينها بقليل.

خلال الأشهر الثلاثة التالية، تم تكليفه بتحليل البيانات الواردة من مختلف آبار الاستكشاف البحرية، وما وجده كان واعدا للغاية. فحص "القاسم" الدراسات والبيانات من 13 بئراً، وجدول النتائج ورسم الخرائط باليد. بحلول الوقت الذي انتهى فيه الأمر، كان مقتنعا بأن النرويج تمتلك الكثير من حقول النفط.

يقول القاسم:" كان التحدي الرئيسي الأول هو إقناع الحكومة النرويجية بأن الأمر أصبح الآن عاجلاً. إذا لم تجهز النرويج طريقة تعاملها بشكل صحيح، لكانت لعبة سهلة لشركات النفط لتتغلب على الدولة الاسكندنافية الصغيرة، التي تفتقر إلى الخبرة العملية والمعرفة النظرية في الصناعة".

كانت ردود الفعل التي تلقاها "القاسم"، كما يصفها بنفسه، "تقريبًا ما يتوقعه المرء من السلطات النرويجية"! تقدمت له السلطات بالشكر على النتائج المثيرة للاهتمام، لكنها استمرت في التأكيد على أن الحذر هو الأفضل وأنه ربما يتعين الانتظار والترقب.

تساءل "القاسم" عن سبب تعيينه بالفعل، إن لم يكن للتحذير في الوقت المناسب من الاكتشافات المحتملة، حتى جاء الرد أن المسؤولين في النرويج لا يريدون التسرع!

اتضح أن توجسات "القاسم" كانت صحيحة. في عام 1971، اكتشفت شركة فيليبس بتروليوم الأمريكية حقل" إيكو فيسك"(Ekofisk)، أحد أكبر الحقول البحرية في العالم. ومن المتوقع أن يستمر إنتاج النفط فيه حتى عام 2050.


رغم أن نهج الحكومة خالف حينها رغبات "القاسم"، لكنه يعتبر أن التزام النرويج بالحذر التام، سواء مع نتائج الاكتشافات ولاحقا في التعامل مع العائدات المالية النفطية، هو بالضبط ما يفسر غالبًا إدارة النرويج الناجحة بشكل فريد لنفطها.

وتابع "القاسم": "عند العودة إلى الماضي، ربما يكون هذا هو الشيء الأكثر حكمة الذي فعلته النرويج على الإطلاق".

"أبوالنفط في النرويج"

في عام 1972، أصبح "القاسم" رئيس إدارة الموارد في هيئة النفط النرويجية، واعتبر أن من أهم مهامه تحفيز الشركات النفطية على زيادة معدل الانتفاع بالحقول النفطية.

أدرك "القاسم" أن الأمر يتطلب استراتيجية واضحة وتخطيطًا دقيقًا فقام بإرسال تقريره الأول إلى البرلمان النرويجي بشأن تنظيم الدولة لإدارة النفط، وأكد فيه أن النرويج يجب أن يكون لها سيطرة وإدارة كاملة على جميع الأنشطة في الجرف القاري النرويجي.

لقد كان لتقرير "فاروق" قوة فعالة وراء قرار الحكومة النرويجية بتأسيس شركة نفط وطنية،"StatOil"، بالإضافة إلى إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة للصناعة. وصياغة البرلمان النرويجي مشروع قانون أصبح يعرف باسم "الوصايا العشر للنفط" في البلاد.

هذه الوصايا النفطية العشر تشكل السياسة الأساسية التي تدير بها النرويج مواردها البترولية منذ ذلك الحين. لم يتفق السياسيون على هذه الوثيقة فحسب، بل اتفقوا على عدم مناقشتها في الانتخابات والمعجزة الثالثة... أنهم أوفوا بوعدهم.

أقرت الحكومة النرويجية أيضا أن مشاركة النرويج، من خلال شركة StatOil، في جميع الاكتشافات المستقبلية يجب ألا تقل عن 50%.

يقول "القاسم" "إن هذا الشرط لقي ترحيبًا فعليًا من قبل شركات النفط العالمية، التي ظلت حريصة على الشراكة مع Statoil، حيث لم يكن هناك أي مخاطرة على الإطلاق، لذلك كانت شركات النفط سعيدة للغاية بالتوافق مع هذه الصيغة".

وخلال العقدين الأولين، تم توجيه حصة النرويج من عائدات النفط إلى تطوير البنية التحتية اللازمة، ولكن بحلول عام 1990 حان الوقت لإنشاء صندوق نفط وطني. وبحلول عام 1996، كان كل سنت من عائدات النفط يتدفق إلى الصندوق.

مثل أجزاء من الشرق الأوسط، تمتلك النرويج صناعة نفط وغاز مربحة للغاية. ولكن على عكس معظم الدول المُصدرة للنفط، اختارت النرويج عدم استخدام مواردها على الفور لدعم التخفيضات الضريبية أو تمويل البرامج الاجتماعية.

بدلاً من ذلك، وضعت الحكومة مبادئ توجيهية صارمة للغاية لمنع استخدام عائدات النفط إيرادات عامة للحكومة. خففت النرويج منذ ذلك الحين هذه القيود، لكنها لا تزال حذرة للغاية، مما يسمح باستخدام ما يصل إلى 4%  فقط من صندوق النفط إيرادات عامة في الاستثمارات الحكيمة التي تعمل على تحسين إنتاجية الدولة ككل.

اليوم، بعد أقل من 25 عامًا على إنشاء الصندوق، نمت سلة البيض هذه ليصبح الصندوق أغلى صندوق ثروة سيادي في العالم، بقيمة 1.4 تريليون دولار تقريباً، وفقًا لتقرير معهد صندوق الثروة السيادية (SWFI).

"على مدار الـ 22 عامًا الماضية، عمل فاروق القاسم مستشارا مستقلا في قطاع البترول، حيث إن معرفته العميقة بصناعة البترول ومهارات الاتصال الممتازة جعلته محاضرًا مطلوبًا للغاية، وأكسبته عضوية عدد من المنظمات المهنية النرويجية والدولية".
>> انضم الى السومرية على واتساب 
+A
-A
facebook
Twitter
Whatsapp
telegram
Messenger
telegram
Alsumaria Tv
أحدث الحلقات
Morning Live
Play
التغذية الصحيحة وتأثيرها على نمو وتطور الدماغ - حلقة ٩ | الموسم 3
05:00 | 2024-04-24
Play
التغذية الصحيحة وتأثيرها على نمو وتطور الدماغ - حلقة ٩ | الموسم 3
05:00 | 2024-04-24
ناس وناس
Play
منطقة ابو دشير بغداد - الحلقة ٩ | الموسم 7
04:00 | 2024-04-24
Play
منطقة ابو دشير بغداد - الحلقة ٩ | الموسم 7
04:00 | 2024-04-24
لعينيك
Play
الحلقة 8 | 2024
18:00 | 2024-04-23
Play
الحلقة 8 | 2024
18:00 | 2024-04-23
عشرين
Play
البيت السني .. أردوغان يردم الخلاف ويرسم خارطة الاصطفاف - الحلقة ٤ | الموسم 3
15:00 | 2024-04-23
Play
البيت السني .. أردوغان يردم الخلاف ويرسم خارطة الاصطفاف - الحلقة ٤ | الموسم 3
15:00 | 2024-04-23
جات بالليل
Play
ناعور مال هموم 23-4-2024 | 2024
13:00 | 2024-04-23
Play
ناعور مال هموم 23-4-2024 | 2024
13:00 | 2024-04-23
نشرة أخبار السومرية
Play
نشرة ٢٣ نيسان ٢٠٢٤ | 2024
12:45 | 2024-04-23
Play
نشرة ٢٣ نيسان ٢٠٢٤ | 2024
12:45 | 2024-04-23
العراق في دقيقة
Play
العراق في دقيقة 23-04-2024 | 2024
12:30 | 2024-04-23
Play
العراق في دقيقة 23-04-2024 | 2024
12:30 | 2024-04-23
استديو Noon
Play
اختر أمنية للي بعدك! 23-4-2024 | 2024
07:00 | 2024-04-23
Play
اختر أمنية للي بعدك! 23-4-2024 | 2024
07:00 | 2024-04-23
صباحكم أحلى مع سلمى
Play
أيهما أصعب المرض الجسدي أو التعب النفس؟ 23-4-2024 | 2024
02:30 | 2024-04-23
Play
أيهما أصعب المرض الجسدي أو التعب النفس؟ 23-4-2024 | 2024
02:30 | 2024-04-23
طل الصباح
Play
فقرة وتر وفقرة لازم تختار 23-4-2024 | 2024
00:30 | 2024-04-23
Play
فقرة وتر وفقرة لازم تختار 23-4-2024 | 2024
00:30 | 2024-04-23
الأكثر مشاهدة
قرار غير مدروس
قرار غير مدروس
قرار صائب
قرار صائب
القرار تحت الاختبار
القرار تحت الاختبار
النتائج تعكس آراء المشاركين وليست قياساً للرأي العام.
النتائج تعكس آراء المشاركين وليست قياساً للرأي العام.

برجك للسنة الجديدة

إشترك بنشرتنا الاخبارية
انضم الى ملايين المتابعين
إشترك
حمل تطبيق السومرية
المصدر الأول لأخبار العراق
Alsumaria mobile app on Android Alsumaria mobile app on Android
Alsumaria mobile app on IOS Alsumaria mobile app on IOS
Alsumaria mobile app on huawei Alsumaria mobile app on huawei
إشترك بخدمة التلغرام
تحديثات مباشرة ويومية