لم تكن تعلم الشابة العراقية آيا أنها ستكون أكثر وجه معروف على صفحة
Humans of New York الأميركية.
هذه الصفحة لم تظهر فجأة على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، بل نشأت عن سابق تصوّر وتصميم من قبل الشاب الأميركي براندن الذي قرّر أن يترك مهنته في مجال المحاسبة ليغوص في زوايا شوارع مدينة نيويورك.
بدأ براندن مغامرته مع السكان في تصوير وجوههم راصداً تنقّلاتهم وتحرّكاتهم وأصبحت صفحته على فيس بوك تمتلئ بالصور.
ومع الوقت، راح هذا الشاب الأميركي الموهوب يغوص أكثر في حياة المارّة وبدأت صوره تأخذ معنى أكبر وتحمل قصّة، يكتبها براندون في أسطر، تُنشر على صفحة
Humans of New York التي تحصد حوالي 16.380.349 إعجاب.
لكن قصّة النازحة العراقية آيا اختلفت عن كلّ القصص، إذ حظيت على أكثر من 11 منشور على الصفحة وتكون قد كسرت الرقم المعتاد للمنشروات ، إذ لا تتعدّى قصّة الشخص في العادة ثلاثة منشورات.
لنتعرّف على قصّة النازحة آيا التي أصبحت على كلّ لسان، بعد أن اكتشفها المصوّر براندن في إحدى مغامراته الإنسانية في تركيا.
آيا ترى السماء ملطّخة بالدماء
تبدأ قصة آيا في صورة وهي جالسة على أريكةِ تتحدّث عن طفولتها الصعبة، حيث اضطرّ أهلها للسفر الى الأردن لتأمين علاجها بعد أن كانت مريضة جداًّ. ومن ثم تنتقل العائلة من جديد الى بغداد حيث ترى آيا فجأةً السماء حمراء ملطّخة بالدماء حين كانت تلعب في الحديقة وهي في عمر السبع سنوات.
آيا تغنّي فوق صوت الرصاص
كانت تقصد آيا بوصفها لون السماء الأحمر، بداية الحرب في العراق. وتكمل النازحة العراقية روايتها بالتحدّث عن البيوت التي كانت تنهار أمام عينيها. وبما أنها كانت تتفاءل أن الربح سيكون حليفها كما يحصل في الأفلام الكرتونية، بدأت تغطّي أذنيها وتغنّي فوق صوت الرصاص. لكن الواقع كان أقسى على طفولة آيا التي رأت صديقتها التي كانت ترافقها كل يوم الى المدرسة، مضرّجة بالدماء، دون ساقين ومرميّة على الأرض.
آيا رئيسة أمام المرآة لكن مسلسل الدم مستمر
لم تتوقف مشاهد الدم عن الدوران في رأس آيا طيلة الوقت. وكان ذلك حافزاً لديها للتركيز على دراستها وإتقان اللغة الانكليزية لتحققّ حلمها في أن تكون رئيسة دولة وتوقف الحرب في البلاد. فهي كانت تسمع الأغاني الانكليزية وتشاهد الأفلام الأميركية، وتقف أمام المرآة لتلعب دور الرئيسة. لكن اصطدم حلم آيا مرّة جديدة بالواقع الأليم بعد أن كانت في السيارة مع والدها وشاهدت أشلاءً على الأرض إثر إنفجار قويّ هزّ المكان.
والدتها مثلها الأعلى
تعتبر آيا أن والدتها هي مثلها الأعلى في الحياة، فهي ناضلت كثيراً من أجل الحفاظ على عائلتها في أصعب الظروف وتعاني اليوم من مشاكل صحيّة. وتروي آيا أنه في إحدى المرات، دخل رجل غريب المنزل في حين لم يكن والدها موجوداً، فصرخت أمّها بصوت عالِ وأنقذت حياتهم.
الليلة المشؤومة...وداعاً بغداد
تروي آيا قصّة تلك الليلة المشؤومة، حيث اضطرّت عائلتها الى ترك المنزل ومغادرة بغداد. وتقول: "كان منزلنا يقع قرب مجمع عسكري ووصلنا أمر بترك البيت، وبعد أن رفض والدي ذلك، وصل عسكريّ الى عمله وقتل ربّ العمل ظنّاً منه أنه أبي. فاضطررنا في الليلة نفسها الى ترك البيت".
وصرخت آيا بصوت عالِ رافضةً الذهاب في حين كان والدها يعدها بحياة أفضل.
مشهد الدماء يلاحق آيا مرّة جديدة
كانت آيا في عمر الرابعة عشر حين وصلت الى سوريا وتصف السنتين اللتين عاشتهما هناك بالروعة. فهي كانت مجتهدة في مدرستها وحصلت على مكافآت كثيرة، إذ قالت لها معلّمتها: "أنا أكيدة أنك ستكونين صوت النازحين في المستقبل وينتظرك مستقبل رائع".
لكن اصطدمت فرحة آيا مرّة جديدة بمشهد الدم الذي شاهدته في سوريا بعد أن اشتعلت الحرب في البلاد. وفي حين كانت واقفة أمام النافذة، رأت رجلا يقطع رأس رجل آخر بالسيف. وما لبثت أن غادرت العائلة الى الخارج.
صديق آيا الذي رافقها في كل مراحل حياتها
في صورة جميلة تحتضن فيها كلبها، تعرّف النازحة العراقية عن صديقها الذي رافقها في أصعب أيام حياتها. وهي تروي أنها رأته يُعامل بعنف في أحد شوارع بغداد، فأخذته واعتنت به وبقي وفيًّا لها حتى اليوم.
معاناة التهميش في تركيا
من سوريا الى تركيا، وصلت العائلة الى تركيا حيث عاشت آيا أصعب أيام حياتها. فهي كانت تواجه صعوبة في التواصل بسبب إختلاف اللغة ولم تستطع إكمال علمها والحصول على إجازة. وتروي آيا أساليب التهميش التي تعرّضت لها العائلة حيث اضطرّوا الى تغيير منزلهم أربع مرات، وتعرّضت أختها للضرب في المدرسة وتشوّه وجهها كونها فتاة عربيةّ.
قصّة آيا يصل صداها الى أوباما
تحمل قصّة آيا التي تقطن مع عائلتها اليوم في تركيا، مآسي كثيرة. لكن يمكن لهذه الرواية أن تحمل نهاية سعيدة بحال تمّ توطين آيا في الولايات المتّحدة بعد أن تم رفض طلبها عدّة مرات.
هذه الرسالة تحوّلت الى دعوة وجّهها الشاب الاميركي براندن الى الرئيس الأميركي باراك أوباما عبر صفحته
Humans of New York على فيس بوك، بعد أن تفاعل آلاف الناشطين مع قصّة آيا وأيّدوا توطين هذه النازحة العراقية التي أصبحت نموذجاً لمآسي النازحين خارج بلادهم.
فهل سيتحقٌّ حلم آيا لتكون المستقبل الواعد للنازحين العراقيين ، أم سيصطدم بواقع مرير مرّة أخرى؟