محمية أزر الشوف .. جنة لبنانية فوق السحب ونموذج يحتذى به عراقياً

السومرية نيوز/ لبنان

جمال الطبيعة في لبنان يأسر القلوب، والأروع من ذلك العدد المتزايد من المحميات التي تحتضن مجتمعات محلية شقت طريقها الى الشهرة والعطاء والاستفادة بعيداً عن الفقر وقلة الحيلة، ويبقى الوضع في أزر الشوف هو الأنجح على الإطلاق، والسومرية نيوز اقتفت أثرها على ارتفاع شاهق ضمن جولة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN).

الطريق الى محمية ارز الشوف يبدو كأنه تحليق في السماء، بينما العين تنبهر بأفق أخضر على ارتفاع يتراوح ما بين 1200 - 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، وفوق السحب تتربع الغابات أشجار الأرز وسط هدوء يدخل السكينة في النفس ولا يكسره سوى زقزقة الطيور، بينما النحل المتغذي على رحيق الأشجار يلاعب من يراه في طريقه.

وهي محمية تقع ضمن محافظة جبل لبنان قضاء الشوف، وغنية بالتنوع الحيوي ومقصد للسياح من شتى دول العالم، والأهم من ذلك هي نموذج ناجح لمن يريد تطوير محميات وطنية والحفاظ على طبيعة بلده ولها بعد تاريخي ضارب في القدم، كما هو الحال في العراق الذي ضم الأهوار الى لائحة التراث العالمي ويطمح لأن تكون إيقونة عالمية ويتحسن الوضع المعيشي لسكنها ويتطور مستواهم التعليمي.

محمية على مد البصر
 

محمية أرز الشوف أنشأت عام 1996، تشرف على إدارتها جمعية أرز الشوف بالتعاون مع وزارة البيئة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، بتمويل من مرفق البيئة العالمي والحكومة اللبنانية، وتبلع مساحتها حوالي 550 كم مربع، بطول 50 كم وعرض 11 كم.

وتعد هذه المحمية الطبيعية، الواقعة على طريق هجرة الطيور العابرة للقارات، موقعاً ملائماً لحماية الثدييات الكبيرة، وبهذا الشأن يقول مدير المحمية نزار هاني، إن "محمية أرز الشوف الطبيعية تضم غابات الأرز الثلاثة في معاصر الشوف الباروك وبمهريه عين زحلتا، وتقع على المنحدرات الغربية لسلسلة جبل لبنان وتمتد من ضهر البيدر في الشمال الى جبل نيحا قرب جزين في الجنوب"، مبينا أن جبل نيحا الذي يضمّ بقعاً متناثرةً من الأشجار الحدود الطبيعية الجنوبية من الارز اللبناني.

وتغطي محمية أرز الشوف للمحيط الحيوي ما يقارب 5٪ من مساحة الأراضي اللبنانية، مما يجعلها أكبر محمية طبيعية في لبنان، ومن اكبر المحميات في الشرق الأوسط، كما تعتبر المحميّة موقعاً مناسباً للحفاظ على الحيوانات الثديية الكبيرة مثل الذئب والهر النمر وقط الغابات البري، ولإعادة إدخال أنواع بعض الحيوانات المنقرضة مثل الغزال الجبلي.

ويوضح هاني، أن "أهمية محمية أرز الشوف تكمن باحتوائها على نسيج تنوع بيولوجي متعدد من نباتات وحيوانات، إذ يتواجد فيها 25٪ من غابات الأرز المتبقية في لبنان، 500 نوعاً من النباتات، 24 نوعاً من الأشجار، 32 نوعا من الثدييات، 50 نوعاً من الطيور، و27 نوعاً من الزواحف".

في قلب المحمية تقف إحدى أضخم وأقدم أشجار الأرز في العالم، بعمر يقدر بنحو ثلاثة آلاف عام ومحيط قدره 16 متراً، الواقف أمها يتأمل التاريخ الغابر في القدم وباتت أيقونة للمحمية تعلق في ذهن زائريها، وبعد سلوك ممر يبدو نحو 700 متر تحت ظلال الأشجار ورائحة الصنوبر الفواحة، ثمة شجرة أزر أخرى تسمى "الصومعة"، ضاربة في القدم وتنبت على إطلالة جبلية شاهقة توفر السكينة وراحة البال لمن يتأمل داخل ظلها.


شجرة عمرها 3000 عام

تضم المحمية في حدودها آثاراً قديمة أهمها مثل قلعة نيحا الشقيف المنحوتة داخل سفح جبلي لتتميز عن معظم القلاع في العالم، والتي تحولت الى مقصد للزوار من مختلف أنحاء العالم، وتتميز بقربها من بعض المواقع الدينية والثقافية القديمة مثل مقر النبي أيوب في نيحا وبعض الكنائس القديمة.


قلعة نيحا الشقيف

وتضم المحيط الحيوي للمحمية قرابة 24 قرية، وبالتالي تغطي محمية أرز الشوف ضمن تصنيفها كمحمية مدى حيوي 5% من مساحة لبنان الكلية، وهو ما يعتبره اللبنانيون "كنزهم وإرثم الحضاري والطبيعي".

ويقول هاني الذي أعرب عن ارتياحه لانضمام الأهوار العراقية الى لائحة التراث العالمي، أن "المحمية تسعى الى تحقيق جملة أهداف أهمها حماية الكائنات الحية، وتمكين السكان المحلين ومساعدتهم اقتصاديا من خلال إيجاد فرص عمل لهم، ودعم البحث العلمي ومراقبة الأنواع والتوعية البيئية وتبادل المعلومات المتعلقة بحماية الطبيعة"، مبينا أن "المحمية فيها على ثلاث مناطق، منطقة الحماية ومنطقة العزل ومنطقة التنمية".

ويوضح هاني، أن "المحمية تعمل بتشاركية كبيرة مع المجتمع المحلي وتؤمن بإشراكهم في العملية التنموية في المحمية من خلال إنشاء أماكن المبيت التي يديرها المحليون في محيط المحمية والتي تمنح الزوار فرصة الاستمتاع بالمحمية في أجواء هادئة بعد ان يتم تدريب السكان على إدارة هذه النزل وديمومتها"، مشيرا أن "المحمية تنظم كذلك مهرجانات محلية تعمل على اجتذاب الزوار وتسويق المنتجات المحلية، بالتعاون مع المجتمعات المحلية".

المحمية فيها مرفقات منسجمة مع الطبيعة وتلبي مختلف رغبات الزورا، فمنها الممرات الطويلة ومنها القصيرة، ومنها ما هو مخصص لمن يهوون رياضة المشي في الطرق الوعرة، وحتى الدراجات الهوائية.

كما تتواجد مراكز تسويق للمنتجات المحلية بالقرب من مداخل المحمية تعرض منتجات محلية مثل العسل والمربيات والعطريات وكلها من إنتاج المجتمع المحلي تقوم إدارة المحمية بتسويقه.

وبشأن الوضع في العراق الذي ضم الأهوار الى لائحة التراث العالمي ويسعى لإعلان محميات طبيعية، نصح هاني بـ"ضرورة إيصال رسالة الى المجتمع المحلي مفادها إذا حافظنا على المحمية فإن المردود الذي يأتي منها حمفيدة للمجتمع وتتمحور"، مبينا أن "هذه العملية تترجم بنشاطات السياحة البيئية تعود بالنفع على السكان المحليين وتجعلهم جزء من المشروع".

وكان رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه العراقي ليث شبر أكد في وقت سابق، أهمية العمل كفريق واحد في منطقة الأهوار الشاسعة، مقترحا على الجهات الحكومية تفعيل القروض المصرفية للسكان المحليين لتنشيط الحركة السياحية في المنطقة.

جدير بالذكر أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) صوتت، الأحد (17 تموز 2016)، على إدراج الأهوار والمناطق الأثرية في العراق على لائحة التراث العالمي، الأمر الذي جعل العراق أمام تحدٍ كبير على طريق إيصال الأهوار الى العالمية وإعلان المزيد من المحميات.

يلفت هاني إلى وجود تحديات تواجه المحمية، أهمها التمدد العمراني الذي بدأ يزحف في المحيط الحيوي للمحمية، مبينا أن فريق العمل يعمل على توعية سكان القرى المحيطة بالمحمية على أهمية الحفاظ على هذا التنوع الفريد.

ويشير هاني الى أن الصيد يشكل تحديا إلا أنه لا يصل الى مرحلة الظاهرة وبخاصة في محيط المحمية، وهو أيضا ما تعمل المحمية على السيطرة عليه والحد من انتشاره من خلال توعية المجتمع المحلي بأخطاره ومخاطبة الصيادين والاجتماع معهم"، موضحا أن "الاستثمارات غير الرفيقة بالبيئة في محيط المحمية تعد هي الأخرى تحديا كبيرا وهو أيضا ما تعمل المحمية على الحد منه من خلال تفعيل القانون والاتصال بالجهات المعنية".

يذكر أن غابات الأرز وردت في التاريخ العراقي القديم، وتحديداً في ملحمة كلكامش الشهيرة، حيث ذهب كلكامش في رحلة بحثه عن عشبة الخلود مع أنكيدو الى غابات أشجار الأرز بعد حصولهما على مباركة شمش إله الشمس الذي كان أيضا إله الحكمة عند البابليين والسومريين، وأثناء الرحلة يرى كلكامش سلسلة كوابيس، لكن أنكيدو الذي كان في قرارة نفسه متخوفا من فكرة قتل حارس الغابة "خمبابا" يطمأن كلكامش بصورة مستمرة على أن أحلامه تحمل معاني النصر والغلبة، الى نهاية القصة التي تجسد معاني الخلود الحقيقية من خلال أفعال الإنسان.