السومرية نيوز/بغداد
العشرات من القتلى والجرحى في تفجيرات باتت حلقة في مسلسل القتل اليومي للعراقيين، أطفالاً وعجائز، نساء ورجالاً، من كل الأديان والمذاهب والقوميات، أعمال عنف لا تستثني أحداً ضمن أجندة الجماعات المسلحة، باستثناء عمليات موجهة ضد فئات محددة في المجتمع العراقي تزهق فيها الأرواح وتسفك الدماء على منحر الخلافات العقائدية أو الإيديولوجية.
لم تمض إلا أيام معدودات على حادثة قتل خمسة من أبناء الديانة الإيزيدية، لا لجريمة سوى أنهم غادروا عوائلهم وأحبائهم في نينوى ليعملوا في محل لبيع المشروبات الكحولية شمالي العاصمة بغداد، ليلحق بهم عشرة أخوة لهم في الدين بالجريرة نفسها.
حوادث استهداف محال بيع المشروبات الكحولية التي كادت تكون ذكرى من سنوات العنف، عادت مرة أخرى لتتصدر المشهد الأمني في العاصمة بغداد، ففي مساء يوم الخميس (2 آيار 2013)، قتل خمسة أشخاص من الإيزيديين وأصيب اثنان بجروح، في هجوم نفذه مجهولون بقنبلة يدوية على محل لبيع المشروبات الكحولية، قرب الأسواق المركزية بمنطقة الشعب شمال شرق بغداد.
حادثة استنكرتها الأوساط السياسية والثقافية، إذ دانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، الاثنين (6 آيار 2013)، الاستهداف المستمر للأقليات وآخرها قتل خمسة عمال ينتمون للديانة الإيزيدية، مطالبة جميع السلطات المختصة بتحمل مسؤولياتها في حماية الأقليات، والمرجعيات الدينية بتحريم سفك الدم العراقي دون تمييز.
وما إن هدأت حمى الاستنكارات حتى هاجم مسلحون مجهولون، كالعادة، محالاً لبيع المشروبات الكحولية في منطقة زيونة وسط بغداد، الثلاثاء (14 آيار 2013)، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة سبعة آخرين.
وبحسب ما أفاد شهود عيان لـ"السومرية نيوز"، فأن المسلحين كانوا يستقلون أربع سيارات دفع رباعي سوداء اللون وبزجاج معتم، ترجلوا من سياراتهم وتوجهوا صوب محال لبيع المشروبات مجاورة لمديرية الجنسية في زيونة وأطلقوا النار من مسدسات مزودة بكواتم للصوت، وقتلوا ثمانية أشخاص إيزيديين من أصحاب المحال فيما أصيب سبعة آخرون بجروح أثناء محاولتهم الهرب، اثنان منهم إيزيديون.
وتأتي هذه الحادثة قبل يوم دامٍ شهدته العاصمة بغداد بتفجير تسع سيارات مفخخة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المواطنين، وتساءل أحد الشهود في حديثه لـ"السومرية نيوز"، "لا أدري أيهما المجرم والكافر من يبيع أو يتعاطى المشروبات الكحولية أم من يقتل الناس بالجملة".
ويضيف "أنا لا أتعاطى الخمر بل أنا مع حظر بيعه، لكنني حقيقة لا أخشى متعاطيه كونهم لا يمثلون تهديداً حقيقياً لنا، بل الخطر الذي نخشاه ويقلقنا على مدار الساعة هم من نفذوا جريمة قتل هؤلاء المساكين".
شاهد آخر يعمل بالقرب من مكان الحادث، وكان على علاقة طيبة مع أصحاب المحال الذين قتلوا يقول لـ"السومرية نيوز"، "أصحاب المحال والعاملين فيها كانوا مسالمين وطيبين ولكوني أعمل بالقرب منهم وأنا من زبائنهم الدائمين فأنا أعرفهم جيداً، أنهم أناس لا يستحقون ما جرى لهم".
ويلفت إلى أن "السيارات التي كان يستقلها المسلحون بالتأكيد مرت بالعديد من السيطرات ونقاط التفتيش قبل وصولها إلى هنا، ما يعني ان تلك السيطرات لابد أن استوقفت هذه السيارات للتعرف على هوية من فيها"، ملمحاً "بالتالي من كانوا يستقلون هذه السيارات أما لديهم صفة رسمية وإن لم يكونوا كذلك فهناك سيطرات متواطئة معهم".
مديرية الشؤون الإيزيدية دانت، أمس الأربعاء، مقتل وإصابة 10 من أبناء الديانة الإيزيدية في هجوم زيونة، مشيرة إلى أن "أبناء الأقليات الدينية العراقية وخاصة الإيزيدية يعانون ظروفا عصيبة من القتل والتهديد وأقسى أنواع التهميش والاضطهاد".
ودعت المديرية إلى تكاتف الجهود من اجل حماية المكونات الدينية، محملة"الجهات الأمنية مسؤولية ما حدث جراء تقصيرها في الدفاع والمحافظة على حياة الناس وحمايتهم من الإرهاب".
أما المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فقد طالبت، أمس الأربعاء، مجلس النواب باعتبار جريمة استهداف الإيزيديين "جريمة إبادة جماعية"، مشددة على أنها "تستنكر هذه الجرائم البشعة التي تستهدف المواطنين بسبب خلفياتهم الدينية والعقائدية".
وتعرض أبناء الطائفة الإيزيدية في العراق بعد العام 2003، إلى عمليات استهداف منظمة وخاصة في المناطق ذات الأغلبية الإيزيدية إذ شهدت حوادث عنف تتمثل غالبيتها بتفجيرات تستهدف تجمعات أفراد الطائفة، فضلاً عن تعرض العديد منهم للخطف والهجمات المسلحة، وكانت عملية استهداف مجمعين سكنيين في قضاء سنجار سنة 2007، التي أسفرت عن مقتل أو إصابة أكثر من ألف شخص وتدمير مئات المنازل، أبرز الهجمات التي تعرض لها أتباع الديانة الإيزيدية خلال السنوات الماضية.
يذكر أن الديانة الإيزيدية هي بقايا ديانة شرقية قديمة لا تزال تحتفظ ببعض التقاليد والعقائد التي تعود لشعوب وادي الرافدين في القدم.ويصل عدد معتنقي الديانة الإيزيدية في العراق إلى أكثر من نصف مليون نسمة، ويسكن معظمهم في مناطق تابعة لمحافظتي نينوى ودهوك كسنجار، وشيخان، وتلكيف، وبعشيقة، وسيميل، وزاخو، إضافة إلى وجود نحو 20 ألف إيزيدي هاجروا من البلاد في بداية التسعينيات إلى أوروبا ويتمركزون بغالبيتهم في ألمانيا والسويد، ويعد معبد لالش الذي يقع في منطقة شيخان التابعة لمحافظة نينوى المركز الديني المقدس لمعتنقي هذه الديانة.