ويجمع مراقبون على أن شتاء صعبا ينتظر أوروبا بفعل أزمة الطاقة التي تشهدها القارة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوقف روسيا فعليا عن ضخ الغاز غربا، رغم محاولات دول في
الاتحاد للبحث عن بدائل للغاز
الروسي من أسواق أخرى، إلى جانب اتخاذها إجراءات أخرى، من بينها حث مواطنيها على ترشيد استخدام الطاقة.
خطوط نورد ستريم
ويمتد خط أنابيب "نورد ستريم 1" بطول 1222 كيلومتر تحت بحر البلطيق من الساحل
الروسي بالقرب من
مدينة سان بطرسبرغ، إلى
شمال شرق ألمانيا، افتُتح منذ 10 سنوات ويمكنه نقل نحو 170 مليون متر مكعب من الغاز يوميا كحد أقصى من روسيا إلى ألمانيا.
أما "نورد ستريم 2"، فهو خط أنابيب ثان مزدوج بنفس حجم الخط الأول، وتم استكمال إنشائه العام الماضي، وجرى إنشاءه لمضاعفة ضخ الغاز، لكن ألمانيا رفضت تشغيله بعد أن غزت موسكو أوكرانيا.
ويعدّ خطّا الأنابيب جزءاً من أدوات المواجهة الجيوسياسية، وتديرهما شركة غازبروم الروسية العملاقة بالشراكة مع مجموعات غربية منها وينترشال و"آي.أون" الألمانيتين، و"إنجي" الفرنسية، وهما متوقفان عن الضخ نتيجة الحرب في أوكرانيا رغم أنهما لا يزالان ممتلئَين بالغاز.
أهمية نورد ستريم لأوروبا؟
ولم يكن للضرر تأثير فوري على إمدادات الطاقة في أوروبا، حيث أوقفت روسيا التدفقات في وقت سابق من هذا الشهر، وسارعت الدول الأوروبية لبناء مخزونات وتأمين مصادر طاقة بديلة قبل ذلك، لكن تفجير الخطين، يزيد من المخاطر ويعمق القلق الأوروبي، بشأن حرب الطاقة المستعرة بين روسيا والغرب، حسب صحيفة "نيويورك تايمز".
ومن المرجح أن تمثل هذه الحادثة نهاية نهائية لمشاريع خط أنابيب نورد ستريم، وهو جهد استمر أكثر من عقدين أدى إلى تعميق اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي، والذي يقول العديد من المسؤولين الآن إنه كان خطأ استراتيجيًا فادحًا. وفق "واشنطن بوست".
ولطالما كانت أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز
الروسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وعندما أعلنت روسيا عزمها تقليص الإمدادات في تموز/ يوليو/ الماضي، قفزت أسعار الغاز بشكل غير مسبوق، مسجلة ارتفاعا بنسبة 450 في المئة، أي أعلى مما كانت عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لكن التفجيرات الأخيرة للخطين دفعت بأسعار الطاقة عالميا إلى ارتفاع جديد، ففي حين ارتفعت الأسعار في أوروبا بنحو 20%، فإن الأسعار في آسيا قفزت أيضا، فبينما كان السعر 43 دولارا لكل ميجاوات/ ساعة، ارتفعت الأسعار إلى 51% لكل ميجاوات/ ساعة، وفق ما أكده الخبير في شئون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل في حديث لـ"عربي21".
من أين ستعوض أوروبا نقص الغاز؟
على مدار شهور مضت، سعت دول أوروبا، وعلى رأسهم ألمانيا إلى تعويض النقص الحاد في امدادات الغاز الروسي، وفي سبيل ذلك شهدت منطقة الشرق الأوسط زيارات مكوكية لمسؤولين أوروبيين، على رأسهم المستشار الألماني، أولاف شولتز، في محاولة لعقد شراكات عاجلة مع موردين جدد للغاز، لا سيما من دول الخليج وشمال أفريقيا.
وحاولت ألمانيا استباق أزمة الشتاء القادم بالحصول على إمدادات بديلة من الغاز من النرويج وهولندا، إضافة إلى عزمها شراء خمس محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة.
لكن الأمر لا يبدو سهلا، إذ ينبغي بناء خطوط أنابيب جديدة تمتد من الساحل إلى بقية ألمانيا، الأمر الذي من شأنه أن يستغرق عدة أشهر، فلا يمكن وقف الاعتماد على الغاز الروسي، وفي نفس الوقت تغيير مصادر الإمداد" ، وفقا لما قالته كارول نخلة الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنيرجي للتحليل الاقتصادي. لموقع "بي بي سي".
بدائل جديدة
ويقول الخبير نهاد إسماعيل: "كان خط نورد ستريم مهمة عندما كانت تضخ الغاز نحو أوروبا، لكن الأخيرة لا تعتمد عليهما حاليا، فمنذ شهور مضت أيقنت أوروبا أن الغاز
الروسي سيتوقف، ولذلك حسمت أمرها في البحث عن بدائل وأن تلجأ لعدة وسائل لتجاوز أزمة الشتاء القادم.
ومن هذه الوسائل، رفع وتيرة استيراد الغاز الطبيعي المسال، حيث اشترت أوروبا من أمريكا حوالي 40 % من إنتاجها، وتم تحويل مسارات ناقلات الغاز المسال الأمريكية الضخمة من آسيا نحو أوروبا، كما عقد
الاتحاد الأوروبي شراكات مع أذربيجان والجزائر لضخ الغاز المسال نحو أوروبا.
وأضاف إسماعيل، إنه: "إلى جانب ذلك يتوقع أن تكون قطر مزودا رئيسيا لأوروبا بالغاز المسال، حيث ستضخ من 10 إلى 15% من إنتاجها هناك، في حين سيتم رفع مستوى القدرة الإنتاجية على المدى البعيد لتعويض النقص في الأسواق الأوروبية".
لكن المشكلة كما يرى إسماعيل أن الغاز المسال يحتاج إلى منشآت خاصة، ليتم إعادته إلى حالته الغازية، وأوروبا تفتقر إلى هذه المنشآت، فضلا عن أن إنشاء تلك المشاريع يحتاج وقتا طويلا، ولذلك عمدت ألمانيا إلى شراء محطات عائمة مؤقتا لهذا الغرض.
وتابع: "لجأت أوروبا أيضا إلى إعادة تأهيل المحطات التي تعمل بالطاقة النووية، كفرنسا التي تمتلك المئات من هذه المحطات، وألمانيا فعلت نفس الشئ أيضا، إلى جانب إعادة تفعيل المحطات التي تعمل بالفحم الحجري إضافة إلى إجراءات أخرى كالتوسع في تفعيل مشاريع الطاقة النظيفة كالرياح وغيرها، فضلا عن توجيهات للمواطنين بترشيد استخدام الطاقة حتى يتم تجاوز فصل الشتاء".
وذكر إسماعيل أن النرويج افتتحت قبل ساعات خط أنابيب لضخ الغاز من حقولها نحو بولندا بقدرة بلغت 10 مليارات متر مكعب سنويا كجزء من تعويض نقص الغاز
الروسي.
كما عمدت أوروبا إلى رفع نسبة التخزين من الغاز لتصل إلى نحو 95% حتى تتجاوز أزمة الشتاء، وفي هدف نهائي يرمي إلى الاستغناء كليا عن الغاز
الروسي باعتباره مصدرا غير موثق للطاقة.
اتهامات متبادلة
وتبادلت روسيا والغرب الاتهامات بشأن المسؤولية عن تفجير الخط، ففي حين اتهمت دول أوروبية وأمريكا، موسكو بالضلوع في تخرب خطوط الإمداد، أشارت الأخيرة بأصابع الاتهام إلى واشنطن، وقالت إنها المخابرات الأمريكية ضالعة في تفجير الخط.
وقالت موسكو، إن البحرية الأمريكية أجرت مناورات عسكرية بمنطقة التفجيرات حيث تمر الأنابيب، في حزيران/ يونيو، وإن التفجيرات وقعت بمنطقة تسيطر عليها بالكامل وكالات الاستخبارات الأمريكية.
ونشر موقع "وورلد سوشاليست" تقريرًا قال فيه، إن روسيا لم يكن لديها أي دافع لتدمير خط أنابيب نورد ستريم؛ حيث امتلكت شركة غازبروم الروسية نصف خط الأنابيب، إلى جانب المساهمين الألمان والفرنسيين والهولنديين، وكان خط الأنابيب في قلب خطط موسكو لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع أوروبا إذا انتهت الحرب مع الناتو في أوكرانيا.
ويبين الموقع أنه بالنسبة لواشنطن؛ قدم التفجير فائدتين: أولاً، في خضم التصعيد العسكري للناتو ضد روسيا في أوكرانيا، سيساعد ذلك في تأجيج المزيد من الدعاية الحربية المناهضة لروسيا. وثانيًا، من خلال جعل أوروبا أكثر اعتمادًا على واردات الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة لتحل محل الغاز
الروسي.
لكن الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل قال إن الاتهامات الروسية للغرب وأمريكا بالضلوع في التفجيرات لا تستند على أدلة وحقائق، مشيرا إلى أن أمريكا ليس لديها مصلحة في التفجير، خاصة وأن "نورد ستريم" توقف تماما عن ضخ الغاز
الروسي.
وأضاف أن الإعلام
الروسي تمسك في اتهامه لأمريكا بتصريح قاله الرئيس الأمريكي، جو بايدن قاله فيه، إن بلاده ستدمر هذه المشاريع، أي ستوقفها عن الضخ وليس تفجيرها.
في المقابل، لفت الخبير إلى تصريحات سابقة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين قال فيه، إنه سيركع أوروبا وسيجعل شتاءها جحيما وهدد باللجوء إلى القوة النووية أكثر من مرة.