إلا أن الشركة تحولت لمسرح واسع للفساد والتلاعب، وسط اتهامات متصاعدة من جهات نيابية وإعلامية تكشف عن تورط شخصيات نافذة تمارس هيمنة غير رسمية على قراراتها ومقدّراتها.
شبكة النفوذ
يظهر في قلب هذه الشبكة شخصيتان مثيرتان للجدل: أمجد الملقب بـ"أبو دلال" ومحمود
الجبوري.
ووُجّهت لهما اتهامات مباشرة من أعضاء في
مجلس النواب بالسيطرة غير الرسمية على مفاصل اتخاذ القرار في الشركة.
ويؤكد النائب علاء الحيدري أن "أبو دلال مقرب من مدير عام
نفط الوسط، وله علاقة اقتصادية مباشرة به، وهو ما ينعكس على إدارة الشركة والقرارات المصيرية فيها".
أما النائب ياسر
الحسيني، فقد كشف أن "لا صفقة أو إجراء يتم تمريره في الشركة دون المرور بمكاتبهم في منطقة
القادسية ببغداد، حيث يتم الاتفاق على نسب الرشى والعمولات".
وقد أشار إلى أن "عمولات تصل إلى 20% يتم فرضها على جميع العقود، مما يعني أن هناك شبكة فساد منهجية ومهيكلة تُدار من خارج الأطر الرسمية".
عقود وهمية ومشاريع معطلة
ومن أبرز الملفات التي تكشف حجم الفساد في نفط الوسط، هو ملف حقل عكاز الغازي في
الأنبار، والذي يُعد ثاني أكبر حقل غازي في الشرق الأوسط.
ووفق ما ذكره النائب علي سعدون اللامي، فإن "الحقل أُحيل بدايةً إلى شركة أجنبية انسحبت بسبب أحداث 2014، ثم أُعيد إحالته إلى شركة أوكرانية تُدعى “يوركزم ريسوس”، وتبيّن لاحقًا أنها شركة وهمية لا تملك إلا موقعًا إلكترونيًا، ولا تملك معدات أو سابقة أعمال في مجال الغاز".
الا انه رغم قرار
الحكومة العراقية بانهاء عقد الشركة الأوكرانية يوكرزم ريسورس في نهاية اذار الماضي، يهدد بتوجه الشركة الأوكرانية الى التحكيم الدولي لانها وصفت عملية انهاء العقد معها بانه غير قانوني.
كما انه لم يتم فتح تحقيق او تقديم أي من المتورطين في هذا الملف الى القضاء للمحاسبة وكان الامر طبيعي بعدم استثمار الحقل لعدة سنوات.
وأكدت النائبة زينب
الموسوي أن "هناك جهات سياسية استولت على ملايين الدولارات من خلال التلاعب بإحالة العقد".
فيما اعتبر مراقبون اقتصاديون أن ما حدث هو تماهل في المصير، في وقت يعيش فيه
العراق أزمة خانقة في تأمين الغاز والكهرباء.
ملف المنصورية
وملف آخر لا يقل خطورة هو حقل المنصورية الغازي، والذي تعاقبت عليه عدة شركات، من بينها شركة تركية انسحبت لأسباب أمنية، تلتها شركة "سينوف" الصينية، ثم شركة "كيرو بيترو".
ورغم كل هذه التحركات، لم يتم تطوير الحقل كما يجب، وسط اتهامات صريحة بالتقصير وسوء الإدارة من قبل مدير عام شركة نفط الوسط، الذي لم يتخذ أي خطوات جدية لتفعيل المشروع، رغم الحاجة الملحة له.
عقود فساد منظّم
واتهمت
لجنة النفط والطاقة النيابية مدير شركة نفط الوسط مباشرة بإحالة مشاريع لشركات "مجهولة"، وتقديم أكثر من 10 ملفات إلى الادعاء العام تتعلق بمخالفات جسيمة.
وأشارت التقارير إلى دكتاتورية وتعسف يمارس ضد الموظفين، ما أفضى إلى بيئة إدارية مغلقة وفاسدة.
وطالب النائب علاء الحيدري بإعفاء
المدير العام فورًا، واستبدال بعض الكوادر القيادية المتورطة بملفات فساد وشبهات مالية، لاسيما المقربين من "أبو دلال" والذين يشكلون جزءًا من الدولة العميقة داخل الشركة.
ردود فعل مدوّنين ونشطاء
ولم يغب الملف عن الساحة الإعلامية ومواقع التواصل. إذ نشر مدوّنون تعليقات ساخرة، وصفوا فيها "أبو دلال" بأنه "لاعب جولة"، في إشارة إلى تحكمه التام في مفاصل الشركة.
ووصفوه بالبطل الذي يسيطر على ثروات الشركة لحساب جهة سياسية نافذة.
التأثير الاستراتيجي
كل هذه الفضائح تأتي في وقت حساس، حيث يتجه العراق نحو صيف شديد الحرارة في ظل أزمة في تأمين الكهرباء بعد توقف الغاز الإيراني.
وكان بإمكان مشاريع عكاز والمنصورية سد نسبة كبيرة من هذا النقص، خاصة أن العقد مع الشركة الأوكرانية ينص على إنتاج 400 مقمق من الغاز يوميًا، ما يعادل 35% من واردات الغاز الإيراني.
وما يجري في شركة نفط الوسط ليس أزمة شركة واحدة، بل انعكاس لأزمة دولة بأكملها، دولة ما تزال عاجزة عن محاسبة المفسدين، وتسمح لذوي النفوذ بالعبث بمقدراتها.
إن ما يجري يمثل تحديًا حقيقيًا أمام أي حكومة عراقية ترفع شعار الإصلاح، فإما المواجهة الجادة أو التسليم الكامل للفساد.
المطلوب اليوم ليس فقط تحقيقًا شفافًا ومستقلاً، بل محاسبة عادلة تشمل "أبو دلال" و"محمود الجبوري" وكل من يقف خلفهم، واسترجاع الأموال المسروقة، وإنهاء عقود الإذلال الوطني مع شركات وهمية تبتز العراق وتحرمه من ثرواته.