ورغم وضوح هذا الاختصاص، فإن جاسم العميري، خلال فترة رئاسته للمحكمة الاتحادية وسّع ولايتها بشكل غير دستوري، فصارت تتدخل في قرارات تنفيذية محضة، لا تستند فيها إلى أي نص دستوري أو قانوني، ولا تدخل ضمن اختصاصاتها المحددة في المادة (93) من الدستور.
وقد تجلّى هذا التجاوز في ثلاث دعاوى رئيسية:
أولاً: دعوى سعد حميد كمبش ضد رئيس
مجلس الوزراء إضافة لوظيفته ورئيس
ديوان الوقف السني إضافة لوظيفته
أقام سعد حميد كمبش دعوى أمام
المحكمة الاتحادية بالرقم (50/اتحادية/2022) للطعن بالأمر الديواني المرقم (450) في 6/3/2022 الذي تضمّن إنهاء تكليفه من رئاسة
ديوان الوقف السني وتكليف
عبد الخالق مدحت بدلاً عنه.
وفي هذه الدعوى، تجاوز جاسم العميري اختصاص المحكمة بموجب القرار الصادر عنها، حيث قررت ما يلي:
1-رد دعوى المدعي سعد حميد كمبش بخصوص طلب إلغاء الفقرة (1) من الأمر الديواني المرقم (450) في 6/3/2022 المتضمن (إنهاء تكليف السيد سعد حميد كمبش من مهمات تسيير شؤون ديوان الوقف السني وكالة)، واعتبار إنهاء تكليفه صحيحاً.
2-الحكم بعدم صحة ما جاء بالفقرة (2) من الأمر الديواني (450) في 6/3/2022 المتضمن (تكليف السيد عبد الخالق مدحت مالك بمهام منصب رئيس ديوان الوقف السني وكالة) وإلغائها.
3-اعتبار القرار الصادر من محكمة قضاء الموظفين في الدعوى المرقمة (819/م/2022) في 16/5/2022 - رقم القرار (2022/1176) معدوماً، لصدوره خلافًا لاختصاص المحكمة المذكورة آنفًا، كونه يدخل ضمن اختصاص
المحكمة الاتحادية العليا استناداً لأحكام المادة (93/ثالثاً) من دستور جمهورية
العراق لعام 2005.
في حين أن هذا النوع من القرارات – أي الأوامر
الديوانية الخاصة بإنهاء التكليف وتكليف بديل – لا يدخل ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية، بل في اختصاص القضاء الإداري، ولا يوجد في المادة (93) من الدستور أي نص يخول المحكمة النظر في صحة هذه القرارات وإعدامها بشكل مخالف للقانون .
والأدهى من ذلك،
رئيس المحكمة السابق جاسم العميري، ذهب في أسباب قراره إلى ما هو أبعد من مجرد الخروج على الاختصاص، حين أعلن صراحةً أن المحكمة وجدت من خلال مجريات الدعوى أن المدعي سعد حميد كمبش لم يكن بمستوى الأداء الإداري الجيد، ولم يحافظ على أموال الوقف، مما أدى إلى نتائج سلبية تتطلب إنهاء تكليفه.
وهذه مهزلة قانونية كاملة الأركان، فالمحكمة الاتحادية لا تمتلك صلاحية تقييم الأداء الإداري ولا الرقابة على
أموال الدولة، لأن هذه الصلاحيات منوطة بالجهات الرقابية لا بالسلطة القضائية الدستورية، وهو ما يجعل ما صدر عن العميري انتهاكًا فاضحًا للدستور وتحريفًا خطيرًا لوظيفة المحكمة
ثانيًا: دعوى هدى سجاد ضد رئيس مجلس الوزراء إضافة لوظيفته
في الدعوى المرقمة (235/اتحادية/2022)، طعنت هدى سجاد بالأمر الديواني المرقم (469) لسنة 2022، والذي تضمّن إنهاء تكليفها من منصب رئيس هيئة الحماية الاجتماعية وكالة. رغم أن المحكمة كان يجب أن ترد الدعوى شكلاً لعدم الاختصاص، فإنها قررت الآتي: الحكم بعدم صحة الأمر الديواني المرقم (469) لسنة 2022 الذي بموجبه تم إنهاء تكليف السيدة هدى سجاد من منصب رئيس هيئة الحماية الاجتماعية وكالة في
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وهنا تجاوز جاسم العميري، اختصاص المحكمة الاتحادية للمرة الثانية حيث قرر بطلان أمر ديواني تنفيذي لا يرقى إلى مصاف القوانين أو الأنظمة النافذة، علماً أن المحكمة الاتحادية نفسها سبق أن قضت في قرارها المرقم (175/اتحادية/2022) بأن “رقابة المحكمة تنصب على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وليس على الأوامر الديوانية. ورغم هذا الحكم الواضح، خالفت المحكمة ما استقرت عليه، وأصبحت تُقيّم صحة التكليف والإقالة خلافًا لاختصاصها.
ثالثًا: دعوى علي فخري عبد الحمزة ضد رئيس مجلس الوزراء إضافة لوظيفته
في الدعوى المرقمة (198/اتحادية/2022)، طعن المدعي بقرار
مجلس الوزراء المرقم (133) لسنة 2021، الصادر في جلسته المنعقدة بتاريخ 2021/4/13، والذي تضمّن تكليف
محمد صاحب الدراجي برئاسة هيئة التصنيع الحربي وكالة، والتوصية بتثبيته لدى
مجلس النواب.
وقد كان على المحكمة الاتحادية أن ترد الدعوى شكلاً، لكون النزاع إداريًا لا دستوريًا، لكن المحكمة قررت: الحكم بعدم صحة
قرار مجلس الوزراء المرقم (133) لسنة 2021 في الجلسة 15 المنعقدة في 13/4/2021 وإلغاءه، الذي بموجبه تم تكليف المهندس
محمد صاحب الدراجي بمنصب رئيس هيئة التصنيع الحربي وكالة، والتوصية إلى مجلس النواب بتعيينه.
تجاوزت المحكمة في عهد رئاسة جاسم العميري في هذه الدعوى أيضًا، حيث قررت إلغاء قرار صادر من مجلس الوزراء وفق صلاحياته المنصوص عليها في المادتين (61/خامساً و80/خامساً) من الدستور، رغم أن هذا القرار لا يدخل ضمن الرقابة الدستورية، بل ضمن الرقابة الإدارية.
لقد تجاوز رئيس المحكمة الاتحادية، في الدعاوى الثلاث أعلاه، حدود اختصاص المحكمة حين أقدم على إلغاء أو إبطال قرارات إدارية صادرة عن رئيس مجلس الوزراء تتعلق بالتكليف أو إنهاء التكليف في مناصب تنفيذية عليا، وهي صلاحيات حصرية لرئيس الوزراء لا تمت بصلة إلى المحكمة الاتحادية، كما أن الفصل فيها يدخل ضمن ولاية القضاء الإداري دون سواه.
التمدد الخطير في سلطة المحكمة خلال رئاسة جاسم العميري، بقرارات لا تستند إلى النصوص الدستورية أو القوانين النافذة، مثّل تحويلاً لوظيفة المحكمة من حامية للدستور إلى أداة للهيمنة على صلاحيات
السلطة التنفيذية، بإرادة فردية يرسمها رئيس المحكمة آنذاك.