إلا أن سكان غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، يعتبرون هذه الأوامر، نذير معاناة، من تكرار النزوح، وأن الهدف هو إجبارهم على مغادرة أراضيهم، وربما القطاع كله.
وبسحب تحليل صحيفة "فايننشال تايمز" لمئات أوامر الإخلاء، بما في ذلك نحو 30 أمرًا صدرت منذ خرق وقف إطلاق النار في مارس/آذار، تُبيّن هذه الأوامر مجتمعة كيف غيّرت
إسرائيل شكل غزة، تاركة للفلسطينيين مساحة أقلّ من الأرض.
ووجدت "فاينانشيال تايمز" أن أكثر من أربعة أخماس غزة، التي كانت من بين أكثر مناطق العالم كثافة سكانية حتى قبل الحرب التي اندلعت إثر هجوم حماس في الـ7 من تشرين الأول 2023، أصبحت الآن مشمولة بمناطق عسكرية إسرائيلية وأوامر إخلاء.
لكن إسرائيل لم تنتهِ بعد، فقد أشارت حكومة
رئيس الوزراء،
بنيامين نتنياهو، إلى أنها تريد حصر جميع سكان غزة في ركن صغير جنوبي غزة على طول الحدود مع مصر، مع منع الوصول إلى بقية القطاع.
وحذّر مراقبون دوليون من أن إجبار سكان غزة على التوجه جنوبًا بهذه الطريقة، إلى أرض صحراوية قاحلة بلا مياه جارية أو كهرباء أو حتى مستشفيات، يُعدّ تطهيرًا عرقيًّا، فيما يخشى الفلسطينيون أن يكون ذلك تمهيدًا لطردهم من غزة نهائيًّا.
وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن إسرائيل تُجهّز المنطقة الواقعة جنوب الممر لوجود طويل الأمد، ويبدو أنه تم تطهير مساحات شاسعة وتجهيزها لِما يبدو أنها مواقع عسكرية، محمية بسواتر ترابية مع مركبات متوقفة بالقرب منها.
كما تُظهر خريطة نشرها الجيش الإسرائيلي إنشاء 3 نقاط لتوزيع المساعدات على طول الممر، ضمن خطة مثيرة للجدل طُرحت في الأيام الأخيرة، يشرف فيها مرتزقة أجانب وجنود إسرائيليون على توزيع الإمدادات.
وحذّرت
الأمم المتحدة من أن هذا يُنذر بنزوح جماعي، إذ سيُجبر تركيز نقاط التوزيع على طول الممر، العائلات الجائعة على هجر أراضيها في الشمال والقيام برحلة محفوفة بالمخاطر جنوبًا.
وبحسب "فايننشيال تايمز"، فإن ما ينتظر النازحين اكتظاظ خانق، في أحد أكثر التجمعات السكانية كثافة في العالم، فعلى عكس المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، مثل: الأحياء الفقيرة في
جنوب آسيا، لا يوجد صرف صحي ولا مياه جارية.
حتى مع أكثر الحسابات سخاءً، سيحظى كلٌّ من المدنيين المنهكين من الحرب في غزة بمساحة مادية أقل من
غرفة صغيرة للعيش.
وعند طرح مساحة الأراضي غير الصالحة للاستخدام، التي تشغلها الأنقاض والمستنقعات أو الطرق ومكبات النفايات، قد تكون المساحة المتبقية لكل فلسطيني أقل من ذلك، وفي أسوأ الحسابات، قد لا تتجاوز مساحة أريكة غرفة المعيشة.
وتقول الصحيفة "هذا الاكتظاظ البائس وغير الصحي والخطير هو الهدف المعلن لوزير المالية
بتسلئيل سموتريتش، الذي يرى أنه خطوة ضرورية لتحقيق هدف طال انتظاره لليمين الإسرائيلي المتطرف: إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة نهائيًّا".
وكان سموتريتش صرّح مع بدء عملية برية واسعة في القطاع: "إدراكًا منهم أنه لا أمل ولا شيء ينتظرهم في غزة"، سيختارون المغادرة والتخلي عن أرضهم لإسرائيل. سيصابون باليأس التام" وفق تعبيره.