آمال محمد الفتاة العشرينية -من ذوي الاحتياجات الخاصة- استخدمت بناية المطعم التركي أو كما يحب العراقيون تسميته "
جبل أحد"، رمزا ومحورا للوحتها.
وتحدثت آمال لتشرح لوحتها، فيداها كانت ترسم الكلام وعبر زوج شقيقتها الذي كان يترجم ما تقول، أشارت إلى أن "اللوحة من وحي خيالها واستوحتها من
ساحة التحرير التي زارتها عدة مرات، فضلا عن صور القتلى التي تراها في مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوضحت آمال أن "الرأس في اللوحة استخدمته لأن أغلب المتظاهرين إصاباتهم بمنطقة الرأس بعد استهدافهم بصورة مباشرة"، مضيفة أن "صدر الإنسان الذي تظهر بداخله بناية المطعم التركي للتعبير عن مصدر انطلاق
الثورة والنصر، وهو رمز لا يمكن التخلي عنه".
دافع أكبر
وتابعت "كنت أتوقع النجاح والشهرة للوحتي لأنني رسمتها بحب واهتمام.. وبعد نجاحها صار عندي دافع أكبر للرسم".
وعن كيفية تحديها للإعاقة قالت آمال، "أنا جزء من هذا المجتمع لذلك يجب أن أتحدى إعاقتي وأطور موهبتي وتعلُّم الألوان ومزجها". وأضافت "أحيانا أشعر بالألم لعدم قدرتي على الكلام ولكن
أحمد الله على ذلك، إذ هنالك أشخاص آخرون معاقون بقلوبهم وأفكارهم".
وعبرت آمال عن أمنيتها بتمثيل بلدها في المحافل الدولية، وأن يكون لديها مرسم خاص وتقيم دورات تعليم رسم لذوى الاحتياجات الخاصة.
آمال بدأت الرسم منذ الثامنة من عمرها، فوالدها كان أول من اكتشف موهبتها، ورغم أنها لا تجيد القراءة والكتابة، فإنها تمكنت من تطوير موهبتها دون دورات احترافية إذ إنها تعلمت مزج الألوان وتقنيات الرسم من خلال موقع اليوتيوب.
طريقة خاصة
ويقول مصطفى -شقيق آمال- إنه كان يتابعها وهي ترسم لوحتها الخاصة بالمظاهرات، وكانت لوحة جميلة جدا، مشيرا إلى أن "لدى شقيقته طريقة خاصة في الرسم إذ إنها تخطط اللوحة في البداية وتأخذ لها صورة في الهاتف الجوال، ومن ثم ترسم وتأخذ صورة أخرى، وبعد إضافة اللون تأخذ صورة أخيرة".
وأضاف أن "آمال شخصية مثابرة ونشيطة ولديها شغف كبير بالرسم والفن، إذ إنها خبيرة مبدعة وتجيد الرسم على الزجاج".
وعن أمنياته لها، قال مصطفى إنه "يتمنى أن يكون لها مرسم خاص وأن تنال شهرة واسعة"، مشيرا إلى أنه "يحاول دوما أن يكون وسيلة التواصل بينها وبين المجتمع".
واظبت آمال منذ عمر السادسة عشرة على الذهاب إلى ساحة
القشلة في
شارع المتنبي بالعاصمة
بغداد، لتعرض رسوماتها في المرسم الحر هناك، بالإضافة إلى أنها كانت تعمل على تعليم الأطفال الرسم بالقلم الرصاص والألوان الخشبية إذ كانت ترسم أمامهم وتعلمهم النسب الصحيحة للعين والأنف وكيفية رسم الشعر.
ويقول
مصطفى العذاري -زوج شقيقتها الذي غالبا ما كان يرافقها أثناء تعليم الرسم- إن "الأطفال يعجبون بها ويفهمونها بسرعة رغم أنها لا تتكلم لأن أغلبهم يشعرون أنها تشبههم، وبمجرد أن ترسم أمامهم تصل الفكرة وأحيانا أساعدها في إيصال الفكرة للأطفال".
وشاركت آمال بمعارض فنية عدة، منها مساهمات المتحف الحضاري المتجول بالإضافة إلى معرضين مع فنانين آخرين في
وزارة الثقافة، ومعرض واحد خاص بها. ولوحاتها غالبا ما يطغى عليها طابع الحزن الذي تجسده فيها، إذ اتخذت من الرسم طريقة للتعبير عما في داخلها من معاناة.
زوج شقيقتها بين في حديثه أن "آمال تبيع لوحاتها بمبالغ بسيطة لتستطيع أن تشتري أدوات الرسم"، مشيرا إلى أن "راتب
الرعاية الاجتماعية الذي تتقاضاه قليل جدا، إذ لا يتجاوز 96 ألف دينار عراقي ( حوالي ثمانين دولارا) كل شهرين".
وأضاف أن لدى آمال لوحات أخرى تساند قضايا المجتمع، ومن أهمها لوحة رسمتها وقت سقوط
الموصل، وتحدثت عن بلادها التي تحترق.
بصمة الرسامين
وكانت للفنانين التشكيليين وحتى هواة الرسم لمسة خاصة في ساحة التحرير، إذ أضفوا رونقا خاصا للمظاهرات، وامتلأت ساحة التحرير برسومات تعبر عن أفكار الشباب وما يتعرضون له من تهميش واضطهاد.
ويقول حيدر سامي (23 عاما) الموجود في ساحة التحرير منذ بداية المظاهرات، إن "الرسم فن مهم جدا، فهو يجسد ويوثق بطريقة وأسلوب خاصين حتى أن الفكرة تصل بعمق أكبر من خلال رسم واحد، في حين تحتاج إلى عشر مقالات لإيصالها"، مشيرا إلى أن لوحة آمال كانت مميزة ومختلفة.
أما سرى حسن (30 عاما) فقالت إن "المظاهرات تحتاج إلى جميع المبدعين"، مشيرة إلى أن "الرسامين كانت لهم لمسة مميزة أضافت إلى ثورتنا جمالا، وستبقى رسوماتهم توثق ما يحدث".
وذكرت سرى أن "لوحة آمال كانت معبرة جدا، وكان تأثيرها في مواقع التواصل الاجتماعي أكبر من تأثيرها في ساحة التحرير، لأنها نقلت معاناتنا بطريقة معبرة ورائعة إلى جميع مستخدمي هذه المواقع حتى غير العراقيين".