وقال عبد الغني، مهندس تقنية تبريد ملاعب
بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، أمام مجموعة من الصحفيين في
ملعب الجنوب المونديالي عن هذه التقنية المتطورة قائلاً إن "تبريد الاستاد يشبه عملية تبريد مقصورة سيارة، وإن مصدر الهامه لابتكار هذه التقنية كانت أطروحته لنيل شهادة
الدكتوراه، والتي كان موضوعها تبريد الهواء في مقصورة سيارة (فورد مونديو)"، موضحاً أن "تقنيات التبريد تستعين بالأدوات ذاتها لكننا نستخدمها هنا على نطاق أوسع".
وحول هذه المرحلة قال عبد الغني: "عند الإعداد لتقديم ملف قطر لاستضافة مونديال 2022، أردنا تقديم ملف فريد يتميز عن غيره من الملفات المنافسة، وعادة ما تستعرض الدول في هذه المرحلة استاداتها من ناحية التصميم وليس التقنية المستخدمة في تشييدها، أما نحن فقد قدمنا استاداتنا بطريقة مغايرة، وركزنا على الجانب التقني في تشييد استادات المونديال".
وسيشهد عام 2022 استخدام تقنية عبد الغني في غالبية الملاعب التي ستستضيف مباريات بطولة
كأس العالم FIFA قطر 2022، وقد بدأت بالفعل الاستفادة من هذه التقنية المبتكرة في "
استاد خليفة الدولي، واستاد الجنوب".
وتعتمد التقنية المتطورة على المزج بين العزل أو ما يُطلق عليه عبد الغني "النقاط المستهدفة"، ما يعني أن عملية التبريد في الملعب تقتصر على المساحات التي يتواجد فيها الأفراد، حيث يعمل هيكل الملعب كجدار يحيط بمنطقة مبرّدة في داخله. وتعمل آلية تبريد الاستاد عن طريق مرور الهواء المبرّد عبر مخارج خاصة أسفل مقاعد المشجعين، وفوهات كبيرة لتبريد الأرضية، كما تُستخدم تقنية توزيع الهواء، حيث يتم سحب الهواء المبرّد من قبل، ليعاد تبريده مرة أخرى ثم تنقيته، قبل دفعه مجدداً إلى الملعب.
وفي هذا السياق يضيف عبد الغني: "لا يقتصر عمل هذه التقنية على تبريد الهواء بل وتنقيته أيضاً، إذ لن يواجه المشجعون ممن لديهم حساسية أو صعوبة تنفس أية مشكلة، ذلك لأن الهواء داخل الاستاد هو الأنظف والأنقى على الإطلاق".
وتُعد التقنية أكثر استدامة بنسبة 40% مقارنة بالتقنيات الأخرى المتوفرة، وترتكز هذه التقنية على تبريد الملعب ساعتين فقط قبل موعد المباراة، ما يقلل بكثير الطاقة التي يستهلكها الملعب مقارنة بالطرق الأخرى المستخدمة. إلى جانب ذلك، يتلاءم عمل التقنية الجديدة مع تصميم الملاعب، ما يجعلها أكثر كفاءة في الأداء والمحافظة على البيئة، حيث تركّز التقنية في عملها على الاحتفاظ بالهواء البارد في داخل الاستاد ودفع الهواء الساخن إلى خارجه، وهنا يواصل عبد الغني قائلاً: "أهم ما في الأمر هو التبريد بفاعلية، أي عدم السماح للرياح بالدخول إلى الاستاد، لذلك ينبغي دراسة حجم وتصميم الاستاد ثم العمل وفقاً لذلك لمنع الهواء الساخن في خارج الاستاد من التغلغل إلى داخله".
أُعيد افتتاح "
استاد خليفة الدولي" في عام 2017 بعد عملية تطوير شاملة، ليصبح أول الملاعب جاهزية لاستضافة مباريات كأس العالم FIFA قطر 2022، ويعد الملعب الوحيد بين ملاعب المونديال الذي لم يشيّد بالكامل. وقد شملت عملية تطويره إضافة مظلّة توفر الحماية لمقاعد المشجعين من أشعة الشمس، علاوة على تزويده بتقنية التبريد المتطورة التي ابتكرها عبد الغني. ونظراً لأن الملاعب الأخرى يجري تشييدها بالكامل، كان بإمكان عبد الغني وفريقه ابتكار حلول تبريد مخصصة لكل ملعب. وقد بدأ العمل لتحقيق ذلك وفق نموذج ثلاثي الأبعاد في نفق الرياح، ويخضع لاختبارات باستخدام الدخان الذي يقوم هنا بدور الرياح، والذي يجري دفعه وفق مستويات مختلفة من الضغط.
وفي هذا السياق يضيف عبد الغني: "نختبر هنا رد فعل النموذج للرياح بسرعات مختلفة، ثم نستخدم
كاميرات لتقريب الصورة لنرى من أي المناطق يدخل الهواء إلى الاستاد ومن أيها يخرج. ونستطيع من خلال هذه الطريقة التعرّف على كيفية تفاعل الهواء مع تصميم الاستاد".
ويوضح أنه ليس من السهل تصميم أول استادات مبرّدة في تاريخ
بطولة كأس العالم قائلاً: "يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه العمل على تبريد استاد هو سقفه المفتوح الذي يسمح بدخول الهواء الساخن. لذلك تبرز أهمية دراسة النقاط التي يمكن أن يخرج منها الهواء، وآلية دفعه وسحبه، وهو أمر يختلف من استاد لآخر اعتماداً على تصميمه وارتفاعه وأبعاده".
وألقى عبد الغني الضوء على أهمية مثل هذه الدراسات للمساعدة في تطوير تقنيات التبريد لتكون أكثر استدامة، مشيراً إلى أن
استاد البيت الذي جرى تصميمه في البداية بواجهة لونها داكن، أصبح الآن بواجهة ذات لون أفتح، ما أدى إلى خفض درجة الحرارة في داخل الاستاد بنحو 5 درجات مئوية، علاوة على أن تصاميم الاستادات جرى إعدادها لضمان أقصى مستوى من الراحة للمشجعين خلال المباريات، حيث توجد الآن في
استاد الجنوب مخارج أسفل مقاعد المشجعين يخرج عبرها الهواء بلطف من زوايا محددة.
وستشهد منافسات مونديال قطر 2022 تبريد الاستادات المستضيفة للمباريات بدرجة حرارة تتراوح بين 18-24 درجة مئوية.
رغم أن مباريات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 ستقام في شهري تشرين الثاني وكانون الأول، حيث تبقى درجات الحرارة عادة معتدلة، وهي ملائمة للاعبين والمشجعين، واصلت
اللجنة العليا للمشاريع والإرث تطوير تقنيات التبريد بهدف بناء إرث يدوم بعد انتهاء منافسات البطولة.
ويوضح عبد الغني: "يمكن الاستفادة من استاداتنا على مدار الساعة وطوال أيام العام، ما سيترك إرثاً لدولة قطر بعد انتهاء البطولة، ويجنبنا بناء استادات ومنشآت رياضية غير مُستغلة بعد انتهاء البطولة".
وإلى جانب ملاعب المونديال المبرّدة، سيتركز العمل في المرحلة القادمة على تبريد الأماكن العامة المفتوحة في قطر، وقد جرى الكشف مؤخراً عن كتارا بلازا كأول مساحة تجارية خارجية مكيّفة في الدولة. وهناك مشروع آخر في حديقة أسباير يهدف لتبريد ممرات المشاة ويستخدم لتحقيق ذلك ألواح شمسية مُولدة للطاقة.
ويأمل عبد الغني أن يتم الاستفادة من تقنية التبريد المتطورة في دول ذات طقس حار، وقد اختار ألا يُصدر براءة اختراع لفتحات توزيع الهواء أسفل المقاعد، سعياً منه لخدمة المجتمع العلمي في هذا المجال.
واختتم عبد الغني: "ما دفعني للانضمام إلى فريق مونديال 2022 هو السعي لخدمة العالم العربي، وذلك عبر تسليط الضوء على إنجازات هذه المنطقة الجغرافية من العالم. فمنطقة الشرق الأوسط تزخر بالكثير من القدرات والإمكانات التي نحتاج إلى إبرازها أمام العالم، وليس هناك من أداة قوية يُمكنها أن تُسهم في تحقيق ذلك أكثر من كرة القدم".