فقد أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Medicine & Science in Sports & Exercise أن مستوى لياقة الأم يؤثر بشكل كبير على لياقة طفلها طوال حياته وعلى قدراته الرياضية. وتشير النتائج إلى أن القدرات الرياضية لدى الطفل ترتبط ارتباطًا أقوى بلياقة والدته أكثر من والده.
هذا يعني أنه لا يرث الابن من أمه لون عينيها أو ابتسامتها فقط، بل يرث أيضًا قوتها العضلية، وحتى دافعها الداخلي لممارسة النشاط البدني في مراحل لاحقة من حياته.
يبدأ التأثير أبكر مما تتخيّلين: قوة اللياقة قبل الولادة
بينما تتركّز معظم الأحاديث حول السلوكيات بعد الولادة، إلا أن التأثير الحقيقي يبدأ قبلها.
تُظهر الأبحاث الحديثة أن قرار الأم بالحركة والنشاط أثناء الحمل يمكن أن يشكّل علاقة طفلها المستقبلية مع
الصحة والرياضة وبنية الجسم.
إحدى الدراسات المنشورة في المجلة نفسها (شباط 2025) وجدت أن استبدال 10 دقائق فقط من الجلوس بنشاط بدني معتدل إلى قوي أثناء الحمل يقلل من خطر الوزن الزائد عند الولادة أو زيادة وزن الرضيع المفرطة، وهما عاملان يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بخطر السمنة واضطرابات الأيض في المستقبل.
وأشارت دراسات أخرى إلى أن ممارسة الأم للتمارين أثناء الحمل قد تؤدي إلى تحسين صحة القلب والأوعية الدموية لدى الطفل، وتكوين جسم أنحف، وتطور معرفي أفضل، وكلها نتائج تدعم علاقة طويلة الأمد بالحركة، والقدرة على التحمّل، والأداء العالي.
باختصار، العادات التي تعتمدينها قبل وأثناء الحمل لا تؤثر فقط على شعوركِ الجسدي، بل تُسهم في “برمجة” البنية الجسدية والعاطفية لطفلكِ القادم.
ليس الأمر وراثة فقط... بل قدوة أيضًا
جزء من هذا التأثير بيولوجي، لكن جزءًا أكبر منه سلوكي.
الأطفال يمتصّون بيئتهم. فإذا كانت الأم تُعطي الأولوية للحركة والقوة والصحة، فطفلها على الأرجح سيرى هذه السلوكيات كأمر طبيعي.
سيكبر وهو يعتقد أن التمرين جزء من الحياة اليومية، ليس عقوبة، ولا مهمة ثقيلة، بل أسلوب حياة، والعكس صحيح أيضًا.
قلة النشاط، والعادات الغذائية السيئة، والتوتر المستمر، والإرهاق، تتحول إلى نماذج ينسخها الأطفال في حياتهم المستقبلية.
قد لا ننوي نقل هذه الأنماط إليهم، لكننا نفعل ذلك من خلال الخيارات التي نتخذها اليوم.
كل تمرين… رسالة في قلب طفلك
لم نعد نتحدث فقط عن “تحسين اللياقة”، بل عن تشكيل المستقبل.
العادات التي تقدمينها قد تؤثر على أكثر من طفولته، بل على صحته، وثقته بنفسه، وطاقته، وحتى علاقته المستقبلية بالرياضة والطعام وصورته عن جسده.
حين تختارين أن تمنحي نفسك الأولوية اليوم، أن تتدربي رغم انشغالك، أن تغذي جسدك جيدًا، أن توازني توترك، فأنتِ تُعلمين ابنك أكثر مما تفعل الكلمات.
أنتِ تزرعين فيه رسائل خفية تقول له:
• صحتك مهمة.
• القوة تُبنى ولا تُمنح.
• الاهتمام بالنفس أساس الحياة.
إرث القوة
حين تربطين حذاءك استعدادًا للتمرين، أنتِ لا تتدربين لجسدٍ أقوى أو عمرٍ أطول فحسب، أنتِ تبنين إرثًا، تمنحين طفلك خريطة طريق نحو القوة والصحة والحيوية، تبدأ من رحمك وتمتد لما بعد طفولته بسنوات طويلة.
إذا شعرتِ بالتعب أو الفتور أو الانفصال عن رحلتك الصحية، تذكّري هذا:
اختياراتكِ تُحدث أثرًا واسعًا، ليس عليك فقط، بل على العيون الصغيرة التي تراقبك.
وفي المرة القادمة التي تتساءلين فيها: “هل يستحق الأمر العناء؟”
اعلمي أنه يستحق، من أجلكِ ومن أجله.