عندما أعلنت الخارجية الامريكية في مارس الماضي، عدم تجديد الاعفاء الممنوح للعراق لشراء الطاقة من
ايران، دخلت الأوساط الإعلامية والشعبية بحالة إرباك مبررة، وبالرغم من أن الأجواء كانت ربيعية، إلا ان سخونة الصيف طالت الأجواء قبل حلول الفصل اساسًا، فالتنبؤ بالمصير السيء أكثر رعبًا من حلول المصير ذاته، ولكن.. تنفس الجميع الصعداء عندما تبين أن الأمر يتعلق فقط بشراء الكهرباء وليس استيراد الغاز الإيراني.
ايقاف اعفاء الكهرباء.. سلب 4% من إنتاجية منظومة الطاقة في العراق
الفارق الكبير بين حجم ما يوفره شراء الكهرباء الجاهزة من ايران وبين ما يوفره الغاز الإيراني، كان السبب وراء تفاوت التفاعل بين القصتين، بالرغم من أن إيقاف شراء الكهرباء ليس امرًا يسيرًا، ففقدان الف ميغا واط من الكهرباء الجاهزة يعني حرمان
محافظة ديالى وأجزاء من
واسط وبغداد من التجهيز المستقر، حيث سيحرم منظومة
الطاقة الكهربائية من حوالي 4% من إجمالي طاقة المنظومة.
40% من كهرباء العراق بيد إيران.. سيادة الطاقة "أسيرة" الخارج
وعلى الجانب الاخر، يوفر الغاز الإيراني حوالي 8 الاف ميغا واط وهو رقم يشكل قرابة ثلث طاقة المنظومة الكهربائية بالكامل، ومع إضافة الألف ميغا واط التي تم قطعها بالفعل، تكون مساهمة ايران في اجمالي منظومة
الطاقة العراقية يبلغ 40%.. رقم يجعل من منظومة الطاقة في العراق "أسيرة" بالفعل ومفاتيحها في الخارج.
القبول بحمّى نقص الاستقلالية عند رؤية موت انعدام الطاقة
اعتماد طاقة العراق بنسبة 40% على
دولة أخرى ومن مصدر واحد، أمرٌ يجعل السيادة منقوصة، فاستقلال الطاقة أحد ابرز مصادر قوة البلدان في العالم وتنشب لأجلها الحروب.. لكن بين الاستقلالية وعوز الطاقة .. يرضى العراق بحمّى نقص الاستقلالية.. كلما رأى موت انعدام الكهرباء قريبًا.
اعفاء العراق انتهى منذ شهر ولا شيء سوى الصمت.. ما سياسة ترامب الجديدة؟
كان آخر اعفاء منح للعراق لاستيراد الغاز الإيراني قد وقعه الرئيس الأمريكي السابق
جو بايدن في 7
نوفمبر 2024 ولمدة 120 يومًا، هذه المهلة انتهت في شهر نيسان الماضي، أي قبل شهر من الان، لكن
البيت الأبيض لايزال صامتًا فلم يعلن تجديد الاعفاء ولم يعلن إيقافه، وعلى ما يبدو أن سياسةً جديدة يريد ان ينتهجها ترامب بهذا الشأن.
استراتيجية ترامب لا تجديد ولا انهاء.. إبقاء العراق تحت التهديد ليجتهد!
يبدو أن ترامب أدرك أن الإعفاءات المستمرة منذ 8 سنوات تجعل العراق متماهلًا ولا يسعى بجدّية نحو استثمار غازه او تنويع مصادر الطاقة، وفي نفس الوقت يعلم ان إيقاف الإعفاءات بشكل رسمي يعني اصدار حكم الإعدام على الاستقرار الشعبي والسياسي في العراق، لذلك، فإن إبقاء العراق تحت تهديد إيقاف الغاز في أي وقت دون اتخاذ الخطوة بشكل صريح، سيجعله يسابق الزمن في الربط الكهربائي مع دول الجوار وبناء منصة لاستيراد الغاز من دول أخرى وتسريع عقود استثمار الغاز المحلي، وهو ما يحدث بالفعل حاليًا.
خلال 5 سنوات.. العراق سيضع 4500 مقمق تحت يده
ينتج العراق حوالي الفي مقمق يوميا من الغاز ولا يزال يحرق حوالي 1200 مقمق يوميًا، بينما لديه عقود لانتاج الغاز الحر تصل الى 1200 مقمق يوميًا، وعموما، خلال 5 سنوات سيكون لدى العراق حوالي 4500 مقمق يوميًا بدلا من ألفي مقمق يوميًا.
استثمار الغاز المحلي "حلقة مفرغة".. الحاجة تنمو أسرع بضعفين من المتوفر
ما سيضيفه العراق من عقود الغاز المصاحب والحر حوالي 2500 مقمق يوميًا، وهي كمية تبلغ 140% مما يستورده العراق من ايران، ولكن مع تصاعد نمو الطلب وتوقيع عقود انشاء محطات جديدة، سيجعل اكتفاء العراق من الغاز أسطورة لا يمكن تحقيقها، فإضافة 30 الف ميغا واط جديدة يعني ان العراق سيحتاج الى 5 الاف مقمق إضافية من الغاز أي حوالي 3 اضعاف ما يستورده من ايران في الوقت الحالي.
هذا التقرير من ضمن برنامج "حصاد
السومرية" من تقديم ورود الموزاني وإعداد غرفة أخبار "السومرية"، يُعرض كلّ جمعة السّاعة 8:30 مساءً.