السومرية نيوز/
البصرة
أم
سالم هي بلا منافس
أكبر معمرة على قيد
الحياة في محافظة
البصرة. امرأة كادحة لا تعاني من أمراض مزمنة بل تتمتع بصحة جيدة ولا
تزال تحتفظ
بأسنانها كاملة، على الرغم من أنها
تواجه صعوبة في النطق ولا تميز بين أحفادها وأبنائهم الذين يبلغ عددهم أكثر من 100
بسبب وهن ذاكرتها.
وولدت المعمرة تفاحة رحيمة حزوار عام 1898 في قضاء الرفاعي بمحافظة
ذي قار بحسب بطاقتها الشخصية المرقمة 562124،
وانتقلت للسكن مع عائلتها الى
مدينة البصرة مطلع ستينات
القرن الماضي.
وتعيش أم
سالم حالياً
في بيت صغير بمنطقة الزبير تحاصره مستنقعات المياه الآسنة وما من طريق مبلط يؤدي إليه، منذ أن توفي زوجها منتصف الخمسينات، وظلت أرملة منذ
ذلك الحين، كما توفي أبناؤها الخمسة، آخرهم قبل عامين عن عمر يناهز الثمانين.
امرأة كادحة تتلذذ بالأطعمة الدسمة ولا تشاهد التلفاز
أبداً
ويقول حفيدها محمد
سالم هربود في حديث
لـ"
السومرية نيوز"، إن "جدتي قضت عمرها كإمرأة كادحة لم تذق طعم
الراحة في حياتها، فقد عملت فلاحة في أرض لا تعود ملكيتها للعائلة، ثم امتهنت رعي
الأغنام والإبل، وفي مرحلة ما كانت تعيل أسرتها بمفردها".
ويؤكد هربود أن "أم
سالم لا تشاهد
التلفاز أو تستمع إلى الراديو"، ويروي ضاحكاً أنها "تميل إلى تناول
الأطعمة الدسمة على الرغم من أنها تعلم بمضارها
الصحية، كما تفضل الدهن الحر على الزيوت النباتية"، لكنه يستغرب من أنه على
الرغم من ذلك "نادراً ما تشكو من عسر في الهضم أو آلام في المعدة".
لم تراجع الطبيب منذ الثمانينات وتحرج لعدم
حفظ أسماء أحفادها وأبنائهم
بدوره، يشدد أحد أفراد العائلة إبراهيم
خليل في حديث لـ"
السومرية نيوز" على أن "عمة والده تنعم بصحة جيدة،
بحيث لم تراجع أي مستشفى أو مركز صحي أو عيادة طبية منذ الثمانينات، عندما أجرت
عملية جراحية لإحدى عينيها بكلفة 18 ألف دينار فقط".
ويلفت خليل أيضاً إلى أن "أم
سالم تواجه
صعوبة بالغة في التمييز بين أحفادها وأبنائهم بسبب كثرتهم وضعف ذاكرتها"، موضحاً
أن "ذاكرتها لا تسعفها على حفظ أسماء معظمهم، وهي تنزعج أحياناً عندما يطلب
منها تسمية أبناء أحفادها لما يسببه لها ذلك من إحراج".
ويروي خليل أنه "حين تطلب منا نقلها إلى
بيت أحد أفراد العائلة لتفقد أحواله، ونخبرها أنه قد توفي منذ عقود أو سنوات تبدي
حزناً عميقاً".
الحج حلم نصب عينيها وقاسم أفضل حكام
العراق
ويبدو أن المعمرة أم
سالم مقربة جداً من
الله، وهذا ما يؤكده أيضاً أحد أقاربها المدعو رفه كاظم جواد، فهي "تحلم
بتأدية فريضة الحج منذ السبعينات لكن الفرصة لم تسنح لها بعد"، مستدركاً
بالقول إن "طموحها على وشك أن يتبدد في ظل عدم قدرتها على المشي بضع خطوات من دون شخص يساندها أو عصى تتعكز عليها".
ويذكر جواد أن "أفراد العائلة كانوا
يتنافسون على استضافة جدتهم في بيوتهم للإقامة معهم لأنها امرأة هادئة وخفيفة الظل
وحكاياتها وذكرياتها ممتعة ومفيدة للصغار والكبار"، مشدداً على أنه "بعد
أن تقدم بها العمر كثيراً أصبحنا نفتقد حكاياتها لأنها لم تعد تستطيع التحدث
بسهولة، كما تعاني من ضعف حاد في السمع".
واقترب جواد من أم
سالم في محاولة منه
لمحاورتها وسألها بصوت عالٍ "حجيه العيد حالياً أفضل لو قبل؟"، فأجابت
بصعوبة "كان أجمل لأن الناس تغيرت طباعها ولم تعد مثل السابق".
ولا تزال أم
سالم تذكر السياسيين القدامى
فقط، وتعتبر أن "أفضلهم هو من وزع
القروض على الناس ومنحهم قطع أراض"، في إشارة منها إلى مؤسس الجمهورية العراقية عبد الكريم قاسم، أما
"أخبثهم فهو الذي قاموا بوضع حبل على رقبته وسحلوه في الشوارع"، وربما
تقصد السياسي نوري السعيد الذي شغل منصب رئيس الوزراء 14 مرة خلال العهد الملكي،
وعند سقوط الملكية قتل وسحلت جثته في شوارع بغداد بعد أن قبض عليه وهو متنكر بثياب
امرأة.
المال ينعش ذاكرتها.. وتسأل "شنو هاي الديمقراطية"
ويبدو أن أم
سالم تنفتح شهيتها وتنشط
ذاكرتها بشكل استثنائي عندما يتعلق الأمر بالمال، فقد تحدثت كثيراً بصوت خافت
وبلهجة بدوية جنوبية عن وضعها الاقتصادي الجيد الذي كان سابقاً.
وتروي أم
سالم أنها لا تمتلك بعد قرن من
العمل المضني سوى مبلغ لا يزيد عن مليوني دينار عراقي، كلفت أحد أحفادها واسمه
حسين تولي حفظ مدخراتها ومرتبها التقاعدي الذي ورثته عام 1983 من أحد أبنائها.
كما تستعرض أم
سالم بعض ذكرياتها
المتعلقة برعي الأغنام، وكيف كانت مع أفراد عائلتها ينزحون خلال فصل الشتاء صوب
البادية الواقعة ضمن حدود السعودية بحثاً عن المياه الوفيرة والمراعي الطبيعية
الغنية بالنباتات.
وبالانتقال إلى الزمن الحاضر، سألها أحد
أبناء أحفادها عن الديمقراطية ممازحاً فقالت له "شنو"، وأجابها "حجيه
أكو ديمقراطية بالعراق بعد شتريدين امورج عدله"، فردت عليه "وين هيه هاي
ليش ما خليتوني أشوفها".
ولدى سؤالها عن العام الذي ولدت فيه، تكتفي
بالقول "طويل عمري، عمري طويل من زمان".
صحة البصرة: متوسط أعمار النساء في العراق
58 سنة
من جانبه، يؤكد مدير قسم التوعية الصحية في
دائرة صحة
البصرة الدكتور قصي عبد اللطيف في حديث لـ"
السومرية نيوز"، أن
"أم
سالم هي امرأة معمرة بامتياز، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان متوسط أعمار
الإناث في العراق هو 58 سنة".
ويرى عبد اللطيف أن "عوامل متعددة
أطالت من عمرها، أهمها العامل الوراثي، ومن المحتمل أن يكون بعض أجدادها عاشوا
أيضاً لفترات طويلة نسبياً، فضلاً عن نمط حياتها في شبابها، كما أن النظام الغذائي
يلعب دوراً كبيراً"، موضحاً أن "الدراسات العملية الحديثة أثبتت أن
الذين يكثرون من تناول الغذاء النباتي تطول أعمارهم ويتمتعون بحالة صحية
أفضل".
وعلى الرغم من أن تفاحة رحيمة حزوار أو أم
سالم ليست
أكبر معمرة في العراق في ظل وجود نجمة الجنابي (أم أيمن) في محافظة
الأنبار، التي تبلغ من العمر 127 سنة بحسب تقارير صحفية، لكنها تعتبر
أكبر معمرة
على قيد الحياة في محافظة
البصرة التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
يذكر أنه غالباً ما تولي الدول المتقدمة
مواطنيها المعمرين عناية خاصة، فعلى سبيل المثال احتفلت السلطات في إحدى مقاطعات
ولاية جورجيا الأميركية قبل شهرين بعيد ميلاد المعمرة بيسي كوبر، كما أطلق اسمها
على جسر جديد ابتهاجاً ببلوغها العام السادس عشر بعد المائة، وقامت بقص شريط الافتتاح
بنفسها.