في أحد أحياء
بغداد المزدحمة، يقف أبو علي عند باب ورشته الصغيرة. أصوات المطارق تختلط برائحة الزيت المحترق، وصف السيارات المنتظرة يمتد على طول الشارع. مشهدٌ قد يبدو عادياً، لكنه في الحقيقة يكشف عن أزمة أعمق تعيشها صيانة السيارات في
العراق.
نظرة عامة على السوق العراقية
وصل عدد متاجر قطع الغيار الجديدة في العراق إلى حوالي 1,733 متجرًا بحلول يوليو (تموز) 2025، بغداد وحدها تضم حوالي 527 متجرًا منها، أي نحو 30% من مجموع المتاجر. بدورها تقارب عدد الأسواق المتخصصة في قطع الغيار في بغداد نحو 66 سوقًا لقطع الغيار.
أمّا عدد الورش والمتاجر التي تقدم خدمات صيانة وإصلاح السيارات، وحسب تقارير محلية، فيصل عدد هذه الأخيرة الى 723 ورشة صيانة وإصلاح حتى مايو (أيار)2025 موزعة في مختلف المحافظات، تتصدرها بغداد مع حوالي 185 ورشة خاصة.
هذه الأرقام تظهر انتشارًا لافتًا، لكنها تكشف أيضًا تفاصيل مهمة عن جودة الخدمة، وتوزيعها، والإمكانيات المتوفّرة مقابل احتياجات السيارات العراقية.
التحديات الفعلية التي يعانيها مالك السيارة
مما لا شك فيه بأن هذه التحديات متعددة لكن أبرزها يتمثل:
تفاوت جودة قطع الغيار
الكثير من مالكي السيارات يلجأون إلى قطع غيار مستعملة أو مستوردة رديئة ولكن بتكلفة أقل، ما يؤدي إلى مشاكل لاحقة مثل تآكل المكابح، تسريبات زيت، ضعف التبريد.
قلة ورش متخصصة مع تقنيات حديثة
رغم أن هناك عددًا كبيرًا من الورش، إلا أن قسمًا كبيرًا منها ورش عائلية أو محلية بسيطة تفتقر إلى أدوات التشخيص الحديثة، خبرة الصيانة المتقدمة، أو تدريب الكوادر. وهذا يسبب تأخيراً وزيادة في تكلفة الصيانة.
الإهمال والتأخر في الصيانة الدورية
درجات الحرارة العالية في الصيف، الغبار والرطوبة، كلها عوامل متسارعة للتآكل والتلف. لكن مشاهد كثيرة تُظهر أن مالكي السيارات يؤجلون تغيير زيت المحرك، الفلاتر، أو الاهتمام بنظام التبريد، حتى تظهر الأعطال الكبيرة، والتي تكلفهم أضعاف الصيانة الدورية.
التكلفة مقابل القدرة الشرائية
بسبب تقلبات سعر الدولار وارتفاع
الضرائب والرسوم
الجمركية، يرى كثير من مالكي السيارات أن تكلفة الصيانة تتناسب عكسياً مع دخلهم. قطَع الأغذية الأصلية، الزيوت ذات الجودة العالية، والفلاتر المعتمدة، كلها أغلى بكثير. هذا يدفع البعض إلى الاستغناء عن بعض الخدمات أو استخدام بدائل غير موثوقة.
المناخ وعوامل ليست في الحسبان دائمًا
تلحق الأمطار المفاجئة، جريان المياه، الحفر الكبيرة في الطرق الريفية، ضررًا بأنظمة التعليق والمكابح والعجلات. كذلك تنقص الصدمات الميكانيكية المتكررة من العمر الافتراضي للقطعة مما يستدعي صيانة متكرّرة وتكاليف إضافية.
مقترحات لتحسين منظومة الصيانة في العراق
ازاء ما تقدم لا بد من تحسين هذه المنظومة من خلال:
- تنظيم أفضل لسوق قطع الغياروفحص جودة هذه القطع قبل دخولها السوق.
- زيادة الورش المتخصصة والمدرّبة، اضافة الى دعم برامج تدريب فنيين في المدن الكبرى، وتوفير أدوات تشخيص حديثة، خصوصًا في بغداد،
البصرة،
أربيل.
- توعية المالك: لا بد من حملة إعلامية لتوضيح أن الصيانة الدورية توفر المال والوقت؛ وأن تغيير الزيت والفلاتر في الأوقات المناسبة يقلل الأعطال الكبيرة.
- تشجيع استخدام قطع أصلية وموثوقة حتى لو كانت أغلى لأنها توفر أمانًا وعمراً افتراضياً أطول، وتقلل الخسائر على المدى الطويل.
- تبني أنظمة تسعير شفافة للقطع والأجرة اليدوية في الورش، لتفادي استغلال المالك الذي لا يملك معلومات فنية كافية.
أخيراً، اشير الى أن صيانة السيارات في العراق ليست مجرد إجراء تقني، إنها نظام حياة تتقاطع فيه الضغوط المالية، نقص التدريب، التقلبات الاقتصادية ومتطلبات المناخ المتقلب. ومن المؤكد أن المالك الذين يستثمر في الصيانة
الوقائية، واستخدام قطع غيار اصلية او ذات جودة عالية، وفي ورش موثوقة بها، سيجني فوائد كبيرة تشمل تخفيف الأعطال المفاجئة إلى الحفاظ على الأمان وقيمة السيارة. أما من يستمر في تأجيل الصيانة أو الاعتماد على البدائل غير المضمونة، فالأمر ليس مجرد إنفاق مالٍ إضافي؛ بل مخاطرة قد تؤدي إلى خسائر جسدية ومالية لا تُحصى.