وعلى الرغم من المكاسب الشهرية المتتالية للدولار الأمريكي في سوق
تداول العملات إلا أن اجماع التوقعات تشير إلى ضعف العملة الأمريكية في 2024 مع قيام البنك
الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة هذا العام، ففي نهاية المطاف، ترتبط تحركات العملات وأسعار الفائدة ارتباطا وثيقا، حيث تجذب أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة وزيادة قيمتها، ومن المفترض أن يكون لتخفيضات أسعار الفائدة تأثير معاكس.
لقد رأينا هذه العلاقة على أرض الواقع بعد اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي في يناير، حيث قال رئيس البنك الاحتياطي "
جيروم باول" إن تخفيضات أسعار الفائدة في مارس لم تكن "الحالة الأساسية" مما أدي إلى ارتفاع الدولار حيث دفع المستثمرون رهاناتهم على أول خفض لسعر الفائدة إلى مايو، ولكن على الرغم من أن تراجع الرهانات قدم بعض الدعم للدولار، إلا أنه قد يكون قصير الأجل.
ويتوقع "جون كانافان" المحلل الأمريكي في أكسفورد إيكونوميكس أن يساعد
البنك المركزي الأمريكي في "قيادة الانخفاض في أسعار الفائدة العالمية"، وهذا من شأنه أن يقلل من جاذبية الدولار، ويعتقد كانافان أن الدولار سوف يضعف تدريجيا مع خفض أسعار الفائدة الأميركية إلى مستوى أقل تقييدا هذا العام، الاقتصاديون في البنك الهولندي ING أيضًا يتعاطفون مع الرأي المتفق عليه بشكل متزايد بأن الدولار سوف يتجه نحو الانخفاض في عام 2024.
أسعار الفائدة ليست كل شيء
وبطبيعة الحال فان
أسعار الفائدة ليست الشيء الوحيد الذي يؤثر على أسعار الصرف، وسوف تخلف الأعمال الفوضوية في الجغرافيا السياسية تأثيراً أيضاً هذا العام، فلا يزال هناك خطر من تصاعد الصراع في الشرق الأوسط أو أن نشهد صدمة أخرى في أسعار الطاقة، إذا كان الأمر كذلك، فقد يتدفق المستثمرون على الدولار باعتباره ملاذًا آمنًا، وفي هذا السيناريو، يرى المحللون أن أداء العملة الأمريكية سيتفوق على كل من العملات الأوروبية والآسيوية، وهذا يسلط الضوء فقط على أن الدولار لا يزال العملة المهيمنة في العالم.
وعلى الرغم من التكهنات حول انهيار الدولار إلا أنه لا يوجد بديل جدير بالثقة، فلا يزال جزء كبير من التجارة العالمية يتم بالدولار ولا يزال يشكل أيضًا الجزء الأكبر من احتياطيات العملات الأجنبية، ونتيجة لذلك، يعتقد محللو باركليز أن هناك أسباب هيكلية طويلة الأجل للاعتقاد بأنه على الرغم من صعود الدولار على المدى الطويل مقابل عملات مثل الجنيه الاسترليني، إلا أن الأول هو في الواقع "أقل تكلفة بكثير مما يُتصور في كثير من الأحيان".
إن هيمنة الدولار لها جذور طويلة وعميقة، وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر عملت السياسات التي تنتهجها
الولايات المتحدة على حماية الاقتصاد الأميركي من صدمات الطاقة التي ابتليت بها المملكة المتحدة وأوروبا على مدى العامين الماضيين، كما جعلتها هذه السياسات أقل عرضة لتراجع العولمة وتأثيرات
الانهيار الاقتصادي، ويعتقد محللو باركليز أنه خلال الفترة نفسها كانت
الصين وأوروبا مهملتين نسبياً لأسواقهما المحلية مما عرضهما بشكل أكبر إلى "تراجع ديناميكيات النمو العالمي"، ونتيجة لذلك، كوفئت الولايات المتحدة بتدفقات ضخمة إلى الدولار.
ووفقا للمحللين، فإن هذه القوى الهيكلية لا تفسر الارتفاع المطرد في الدولار الأمريكي فحسب، بل أنها تنذر باستمرار هذا الارتفاع، ورغم أن الدولار قد يتعرض لاهتزاز بسبب أحداث الاقتصاد الكلي والتغيرات السياسية مع اقتراب الانتخابات، فإن خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن الحجم الهائل للاقتصاد الأميركي يتركه في وضع جيد حتى لو سلك مساراً أكثر انعزالية، لا يمكن اعتبار قوة الدولار أمراً مفروغاً منه، ولكن يبدو أن الأمر سوف يتطلب أكثر من مجرد تخفيض أسعار الفائدة لإضعاف العملة الأمريكية.
هل قوة الدولار الأمريكي أم ضعفه مهم؟
على مدى العامين الماضيين، حافظ الدولار الأمريكي على قوته، ومع ذلك، عندما صرح رئيس البنك الاحتياطي
باول بأنه "منفتح على مناقشة تخفيضات أسعار الفائدة" تغيرت معنويات السوق بسرعة، مما تسبب في انخفاض الدولار الأمريكي بسرعة.
تجدر الإشارة بشكل خاص إلى الإصدار المتزامن للتوقعات الاقتصادية التي تشير إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يتوقعون انخفاض سعر الفائدة إلى 4.6% في عام 2024، مما يثير المخاوف بشأن ما إذا كان الدولار الأمريكي سينخفض بشكل أكبر، حاليا، تنقسم آراء السوق بعضها هبوطي على الدولار الأمريكي متأثرين بتوقعات خفض أسعار الفائدة، في حين تتوقع العديد من المؤسسات الاستثمارية العالمية الكبرى أن يظل الدولار الأمريكي مطلوبًا هذا العام مستفدين من تدفقات الملاذ الآمن وديناميكيات النمو الأضعف نسبيًا خارج الولايات المتحدة.
يشير المحللون إلى أنه إذا بدأ الاحتياطي الفيدرالي بسرعة سياسة خفض أسعار الفائدة هذا العام فمن المحتمل أن يخفضها بأكثر من 3 نقاط مما سيصل بها إلى نهاية العام عند معدل 4.6% أو أقل، وذلك سيزيد بالفعل من احتمال انخفاض قيمة الدولار الأمريكي.
يقول المحللون أن قوة أو ضعف العملة لها مزاياها وعيوبها الفريدة، وعلى عكس الأسهم، فإن العملات لا ترتفع بنفس الطريقة بل تعتبر بمثابة سلع، إذا ظهرت العملة ضعيفة فهذا فقط نسبة إلى عملة أخرى، بمعنى آخر، إذا كان الدولار الأمريكي ضعيفًا، فذلك لأن العملات الأخرى مثل اليورو أو الجنيه الاسترليني أو مجموعة من العملات الأخرى يكون أداؤها أقوى نسبيًا، والعكس صحيح.
يؤكد المحللون على أنه سواء كان الدولار الأمريكي ضعيفًا أو قويًا، فإن قوته النسبية لا تهيمن على اتجاهات السوق، قد يفترض معظم المستثمرين أنه إذا كان الدولار الأمريكي ضعيفًا وكانت العملات غير الأمريكية قوية نسبيًا، فإن ضعف الدولار الأمريكي سيكون له حتمًا تأثير سلبي على سوق الأسهم الأمريكية وسوف تتفوق العملات غير الأمريكية في أسواق الأسهم غير الأمريكية.
واستنادا إلى البيانات التاريخية السابقة، عندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي فإن احتمالية ارتفاع سوق الأسهم أعلى بثلاث مرات وهو ما يمثل 37% من العام بأكمله، وبالمقارنة، فإن احتمال هبوط سوق الأسهم لا يتجاوز 12% طوال العام، وهذا يؤكد أنه عندما تنخفض قيمة الدولار الأمريكي فإن فرصة صعود سوق الأسهم تكون أكثر وضوحا من انخفاضها، باختصار، سواء ارتفع سعر الدولار الأمريكي أو انخفض يبدو أن ذلك له تأثير عشوائي على اتجاه سوق الأسهم ولا يوجد حاليًا نتيجة واضحة، على المدى الطويل ليس للدولار الأمريكي تأثير كبير على اتجاه سوق الأسهم.
توقعات بضعف الدولار الأمريكي مقابل اليورو
في عام 2024 من المتوقع أن يشهد الدولار الأمريكي انخفاضًا متواضعًا مقابل اليورو بينما يكتسب اليورو زخمًا، وفقًا لخبراء ماليين في
صحيفة وول ستريت جورنال، ويرجع ذلك إلى انخفاض أسعار الفائدة الفيدرالية والاقتصاد الهش عالميًا، مما يفضل العملات شديدة التقلب.
على العكس من ذلك، من المتوقع أيضًا أن يرتفع اليورو مع تجنب أوروبا الركود، مما يعزز الرغبة في المخاطرة، ومن المرجح أن يستمر الاقتصاد الأوروبي في تعافيه من صدمة الطاقة، مما يدعم انتعاش العملة.
وأكد المحللون في بلومبرج أيضًا أن صعود اليورو سيكون مدفوع بضعف الدولار الأمريكي وانخفاض عوائد سندات
الخزانة الأمريكية، ولكن يعيق الانخفاض المستمر في عوائد سندات منطقة اليورو مكاسب اليورو الطويلة الأمد، وبرغم ذلك فإن المزيد من الانخفاض في عوائد السندات الأمريكية يمكن أن يخفف من هذا التأثير.
وفقًا لتقرير بلومبرج نفسه، من المتوقع أن يرتفع اليورو بنسبة 10% في عام 2024 ليصل إلى 1.21 دولار، يتفق بنك أوف
أمريكا مع التوقعات الهبوطية للدولار الأمريكي، ويتوقع أن يتجاوز اليورو مستوى 1.10 ويرتفع نحو القيمة العادلة، ويتوقع المحللون ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، مؤكدين أن هذه التخفيضات سيكون لها تأثير أكثر وضوحًا على الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الأخرى، مما يدعم معنويات المخاطرة واتجاه الدولار الأضعف.
مورجان ستانلي يحمل وجهة نظر مغايرة لليورو
يحافظ مورجان ستانلي على موقف هبوطي بشأن زوج اليورو/ الدولار الأمريكي لعام 2024، في وجهة نظر معاكسة للتوقعات الصعودية لبنك أوف أمريكا، وتتوقف التوقعات على عدة عوامل بما في ذلك استمرار أداء النمو المتفوق في الولايات المتحدة والتحديات المتصورة في مسار ضعف الدولار الأمريكي حتى أوائل عام 2024 وتحويل عدم تناسق النمو العالمي مع انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية والركود الفني في منطقة اليورو والسويد والمملكة المتحدة مما يؤدي إلى تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة في الربع الثاني من العام، يتوقع مورجان ستانلي عودة زوج يورو/دولار EUR/USD إلى التكافؤ في الربع الأول من عام 2024 ويحوم حول هذا المستوى لمعظم العام، مما يعكس وجهة نظرهم الحذرة وسط الظروف الاقتصادية السائدة.
علاوة على ذلك، وفقًا للبنك الأمريكي، على الرغم من انخفاض الدولار الأمريكي بنسبة 4% منذ ذروته في أكتوبر 2023 وتراجع نصف مكاسبه منذ يوليو، يؤكد التقرير أن هذا التصحيح مؤقت، وتأكيدًا لوجهة النظر المتناقضة للبنك الأمريكي ومورجان ستانلي، فإنهما يتوقعان تعزيز الدولار الأمريكي بنسبة 8% إضافية مقابل اليورو، ويعزو هؤلاء الانخفاض المتوقع إلى النمو المستدام واتساع فروق الأسعار مشددين على أن السوق لا يسعر هذه العوامل بشكل مناسب.
بنك جولدمان ساكس يتوقع قوة الدولار الأمريكي
تسلط أبحاث جولدمان ساكس الضوء على مرونة الدولار الأمريكي في عام 2023 واستمرار قوته في عام 2024، ويعد الأداء الاقتصادي المتفوق للولايات المتحدة، مع نمو متوقع بنسبة 2.1% هذا العام متجاوزا التقديرات المتفق عليها عاملاً رئيسياً وراء هذا الرأي، ويؤكد التقرير أن معظم تدفقات الأموال عبر الحدود يتم توجيهها إلى الولايات المتحدة، مما يعكس القوة الاقتصادية للبلاد مقارنة بأوروبا والصين.
وترى أبحاث جولدمان ساكس أيضًا أن أداء الاقتصاد العالمي سيفوق التوقعات في عام 2024، مما يدعم الدولار الأمريكي بشكل أكبر، ويشير البنك إلى أن سوق العمل المزدهر والتضخم الهادئ يسهمان في خلق توقعات اقتصادية إيجابية، ومع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.6% وهي نسبة أعلى من المتوقع، ومن المتوقع أن يتجاوز النمو في الولايات المتحدة نظيراتها في الأسواق المتقدمة.
ويسلط البحث الضوء أيضًا على الهبوط الناعم المتوقع للاقتصاد الأمريكي هذا العام، وتعزو الشركة ذلك إلى إدارة التضخم الصحيحة وزيادة المعروض من العمالة والطلب القوي على السلع والخدمات، تؤكد أسعار الفائدة الثابتة المتوقعة حتى الربع الأخير من عام 2024 على التوقعات الإيجابية مما يشير إلى الثقة في المسار الاقتصادي.