فمن خلاله، يسعى
العراق لتأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي، وتحقيق اكتفاء ذاتي يغذي محطات الكهرباء والصناعات البتروكيماوية، فضلاً عن طموحات بتحويله إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز يربط بين العراق وسوريا والأردن.
لكن في المقابل، تقف تحديات تعقّد من مستقبل المشروع وتدفع به إلى منطقة ضبابية مفتوحة على عدة سيناريوهات.
واقع معقد
ويعاني العراق من بيئة داخلية تعرقل اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد، حيث غالباً ما تتحول مشاريع الطاقة إلى أدوات للمساومة، مما يثني المستثمرين ويؤخر التنفيذ.
وفي الجانب الأمني، وعلى الرغم من بعض التحسن، لا تزال منطقة الحقل عرضة لتهديدات إرهابية، مما يجعل الشركات الأجنبية تُفكّر مرارًا قبل الالتزام الفعلي بأعمال التطوير، خاصة في ظل توتر الأوضاع على الحدود العراقية – السورية.
القصة من البداية: الكوريون غادروا
وتعود جذور مشروع تطوير حقل عكاز إلى العام 2011، حين وقعت
وزارة النفط العراقية عقدًا مع شركة كوغاز الكورية، لكن الأخيرة انسحبت في 2014 عقب اجتياح تنظيم داعش للمنطقة.
ومنذ ذلك الحين، استمرت محاولات العثور على مشغّل بديل حتى عام 2024، حين وافقت شركة أوكرانية على استئناف المشروع بنفس الشروط السابقة.
ورغم التشكيك السياسي في هوية الشركة وقدراتها، بادرت الأخيرة إلى تنفيذ أعمال ميدانية فعلية داخل الحقل. لكن تحت ضغط سياسي، تم مطالبتها بخطاب ضمان بنكي بقيمة 50 مليون دولار شرط لم يكن ضمن بنود العقد الأصلي ما تسبب بجدل واسع، وسط أنباء عن احتمال إلغاء العقد من طرف واحد، الأمر الذي قد يدفع الشركة إلى
اللجوء للتحكيم الدولي.
دخول شلمبرجير على الخط
في نيسان 2025، أعلنت
الحكومة العراقية عن مواصلة تطوير حقل عكاز عبر شركة
نفط الوسط الحكومية وبمشاركة شركة شلمبرجير الأمريكية، وهو ما جاء متزامنًا – وبشكل لافت – مع زيارة وفد اقتصادي أمريكي رفيع المستوى إلى
بغداد.
وفسّر مراقبون الخطوة بأنها محاولة أمريكية لإعادة التموضع داخل قطاع الطاقة العراقي، رغم المخاطر الأمنية المتزايدة.
كما أن كلفة خدمات الشركة الأمريكية أعلى بمرتين على الأقل من شركات أخرى، ما يثير مخاوف بشأن الهدر المالي في ظل الأزمة الاقتصادية والانتخابات البرلمانية المقبلة.
الحقل عملاق وسهل التطوير
الخبير النفطي حمزة الجواهري وصف حقل عكاز بأنه من الحقول العملاقة، ويضم 6 مكامن (خمسة منها غازية وواحد نفطي مصاحب).
وأكد لـ
السومرية نيوز، أن "إنتاجية الآبار عالية والتطوير سهل بحسب المعطيات المتوفرة"، لكنه شدد على أن "المشكلة لم تعد فنية بل أصبحت سياسية بامتياز".
ودعا إلى "إتاحة الفرصة أمام الشركة الأخيرة لإكمال أعمالها"، محذرًا من "وجود جماعات إرهابية قد لا تزال تنشط في المنطقة".
ورغم الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها حقل عكاز، إلا أن المشروع يبقى رهينة حسابات معقدة، وتقاطع مصالح دولية، وبيئة استثمارية محفوفة بالمخاطر.
إن قدرة العراق على استكمال هذا المشروع الاستراتيجي تتوقف على ضمان الاستقرار الداخلي، وتحييد التدخلات، وخلق مناخ قانوني آمن وجاذب للمستثمرين، حيث ان مستقبل حقل عكاز الغازي ليس مجرد ملف فني أو تقني، بل اختبار حقيقي لقدرة العراق على إدارة موارده السيادية في ظل تحديات داخلية وخارجية متشابكة.