بتاريخ 3 أيلول 2023، أصدرت
المحكمة الاتحادية العليا، برئاسة
جاسم العميري، أمرًا ولائيًا بالعدد (213/اتحادية/أمر ولائي/2023) قضى بـ: “إيقاف تنفيذ أمر السيد
رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة المتضمن إخلاء مقر
قيادة عمليات كركوك الحالي وتسليمه خاليًا من الشواغل والإجراءات المترتبة عليه، لحين حسم الدعوى 213/اتحادية/2023".
الأمر الولائي هذا لم يكن مجرد تدخل في عمل
السلطة التنفيذية، بل كان تجاوزًا على طبيعة الاختصاص القضائي ذاته، لأن
المحكمة الاتحادية – بموجب الدستور وقانونها رقم (30) لسنة 2005 – ليست مختصة بإصدار أوامر ولائية على عرائض.
ذلك أن القضاء الولائي لا يدخل ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية، وإنما يبقى منعقدًا للقضاء العادي، وفق ولايته العامة والنصوص القانونية المنصوص عليها في
قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدَّل. فالمواد (151و152و153) من القانون المذكور تعرّف القضاء الولائي بأنه إجراء وقتي وتحفظي يصدر على عريضة أحد الأطراف، لا يمس أصل الحق، وتُجيز الطعن فيه بالتظلم، ثم تمييز القرار الصادر بعد التظلم، ولا تعدّ باتّة بأي حال بموجب المادة (216).
وهنا تظهر المفارقة الدستورية الخطيرة، إذا كانت قرارات المحكمة
الاتحادية العليا باتّة وملزمة بموجب المادة (94) من الدستور، فكيف يصدر عنها قرار – كالأمر الولائي – يكون قابلًا للتظلم والتمييز؟! هذا التناقض يكشف بوضوح أن المحكمة مارست اختصاصًا لا تملكه، واستعارت أداة قانونية مخصصة للقضاء العادي، بما يخالف طبيعتها الدستورية.
ولا يُمكن التحجّج بالمادة (39) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية، إذ إنها لا تُنشئ اختصاصًا جديدًا، ولا تسوغ تطبيق بعض أحكام المرافعات المدنية وترك بعضها الآخر. فالمحكمة تأخذ بالمادتين (151، 152) التي تتيح إصدار الأمر، لكنها ترفض الالتزام بالمادة (153) التي تُجيز التظلم، وتغض الطرف عن المادة (216) التي تمنح المتضرر الحق في التمييز، وهذه انتقائية قانونية مرفوضة، تخالف وحدة المنظومة القانونية وتضرب مبدأ العدالة.
وبناءً على ذلك، فإن إصدار جاسم العميري لأمر ولائي بإيقاف قرار القائد العام للقوات المسلحة، يُعد مخالفة دستورية مزدوجة:
•أولًا: لأن المحكمة تدخلت في قرار عسكري سيادي لا يدخل ضمن ولايتها؛
•وثانيًا: لأنها استخدمت أداة قضائية – هي الأمر الولائي – ليست ضمن اختصاصها أصلًا، لا بموجب الدستور ولا القانون.
وإذا كانت بعض قرارات المحكمة قد نُفذت باعتبارها "باتّة وملزمة"، فإن الأمر الولائي الذي أصدره العميري لا يمكن اعتباره كذلك، لأنه لا يحمل طبيعة الحكم النهائي، بل هو مجرد إجراء مؤقت يصدر على عريضة، وهو مما يخرج عن صلاحيات المحكمة الاتحادية كليًا.
إن القرار الولائي الصادر عن المحكمة في هذه القضية لا يملك حجية قانونية، ولا يمكن اعتباره “قرارًا باتًا وملزمًا” وفق مفهوم المادة (94) من الدستور، بل هو قرار منعدم دستوريًا، وغير قابل للتنفيذ، ويمثل نموذجًا صارخًا لكيفية استعمال المحكمة الاتحادية كأداة لتقييد صلاحيات السلطة التنفيذية خارج نطاق القانون.