بتاريخ 18 شباط 2024 أصدر العميري كتابًا رسميًا موجّهًا إلى رئيس الجمهورية، بالعدد (32/ت.ق/2024/438)، تضمّن شكوى بحق الصحفي
مصطفى كامل، الذي يشرف على گروب مغلق في تطبيق “واتساب” باسم (المركز الخبري)، يضمّ نخبًا من مختلف الشرائح، يتداول أعضاؤه
الشؤون العامة ويطرحون آراءً متعددة محصورة ضمن بيئة نقاش خاصة، ولا يمثّل وسيلة إعلام عامة.
وقد جاءت الشكوى بعد أن وجّه مصطفى كامل داخل "الگروب" انتقادًا مشروعًا لترشيح محمد
جاسم العميري (نجل رئيس
المحكمة الاتحادية آنذاك) لمنصب
محافظ ديالى، مبينًا أن هذا الترشيح ينتهك المادة (25/أولًا) من
قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدّل، والتي تشترط في المرشح لمنصب المحافظ أن يكون قد أتم الثلاثين من العمر، وأن يمتلك خبرة لا تقل عن عشر سنوات في مجال عمله، في حين أن محمد كان يبلغ من العمر (28 عامًا) ولا يمتلك الخبرة اللازمة، مما يجعل ترشيحه غير قانوني ويؤدي إلى تضارب مصالح بين الجهة السياسية التي رشّحته (منظمة بدر)، ووالده الذي يرأس المحكمة الاتحادية آنذاك.
الأكثر غرابة أنّ جاسم العميري اختار رفع شكواه إلى رئيس الجمهورية، رغم أنّ الأخير ليس جهة قضائية ولا يملك صلاحية قانونية للنظر في مثل هذه الادعاءات؛ إذ إن المادة (73) من الدستور تحصر صلاحيات رئيس الجمهورية ولا تمنحه أبدًا سلطة التحقيق أو التدخل في قضايا الرأي العام أو شكاوى الأفراد.
بل الأخطر أنّ العميري أشار في كتابه إلى أنّ المحكمة الاتحادية ستتخذ إجراءات قانونية بحق الصحفي مصطفى كامل استنادًا إلى المادة (226) من قانون العقوبات العراقي، وهي مادة تدخل في اختصاص القضاء العادي حصراً، ولا صلة للمحكمة الاتحادية بها. ويشكّل هذا التصريح خرقًا دستوريًا واضحًا وجهلًا بطبيعة اختصاص المحكمة.
وإذا كانت المحكمة الاتحادية قد وجدت لتكون حصنًا منيعًا لحماية الدستور، فإن سلوك جاسم العميري جعل منها أداة للانتقام الشخصي وتكميم الأفواه، وهو ما يناقض المادة (38) من الدستور التي كفلت حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ولا يمكن فصل هذا السلوك عن مسار الامتيازات الوظيفية غير القانونية التي نالها نجل جاسم العميري؛ إذ شغل محمد بدايةً وظيفة محقّق قضائي في
مجلس القضاء الأعلى، ثم نُسِّب إلى
وزارة الخارجية مطلع عام 2024 بقصد تعيينه سفيرًا، وهو ما أُحبط لوجود اعتراضات قانونية. وأعيدت محاولة ترشيحه بتاريخ 15 شباط 2024 لمنصب محافظ ديالى بترشيح من رئيس
منظمة بدر هادي العامري، بضغوط مباشرة من والده، لكنها فشلت لعدم استيفائه لشروط المنصب.
وبعد تعذّر تعيينه سفيرًا أو محافظًا، حصل العميري استثناءً خاصًا لنجله من إعمام
وزارة المالية رقم (555) بتاريخ 12 كانون الثاني 2025 ، الذي يمنع التنقلات بين الوزارات، وذلك بضغطٍ على وزيرة المالية
طيف سامي.
وفي 30 كانون الثاني 2025 نُقلت خدمات محمد إلى رئاسة الجمهورية وعُيّن معاون مدير عام فيها، خلاف القانون ومن دون مسوّغ موضوعي سوى مكافأة والده على قرارات قضائية مثيرة للجدل.
يتبيّن مما تقدّم أنّ تصرّف جاسم العميري لا يُعدّ فعلًا فرديًا معزولًا، بل يكشف نمطًا ممنهجًا من استغلال المنصب القضائي لتصفية الحسابات الشخصية وإضفاء غطاء إداري وسياسي على ترقيات غير قانونية لأقاربه، في انحرافٍ سافر عن مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون. وعليه، تبرز الحاجة الملحّة لمراجعة شاملة للقرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية في فترة رئاسته، ضمانًا لاستقامة المسار الدستوري وصونًا لمبادئ العدالة والشفافية.