تفاصيلها، قال ماكرون: "لقد تلقيت رسالتكم المؤرخة في 17 أغسطس والتي قررتم نشرها حتى قبل أن أتلقاها.. ولذلك، سينشر ردي أيضا على سبيل التوازي لتوضيح مناقشاتنا.. ولكن من جانبي أردت إبلاغكم بذلك وسأنتظر حتى تقرأوه، وهذا من باب المجاملة".
وأضاف الرئيس الفرنسي: "إن مكافحة معاداة السامية لا يمكن أن تكون موضوعا للاستغلال ولا يمكن أن تؤدي إلى تأجيج أي خلاف بين
إسرائيل وفرنسا".
وتابع قائلا: "كأحد الإجراءات الأولى التي اتخذت بعد انتخابي، حرصت في خضم مأساة فيل ديف في 16 يوليو 2017 على تأييد تعريف
التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست رسميا وقد تمنيتم أن تكونوا إلى جانبي في ذلك اليوم الذي يدين معاداة الصهيونية باعتبارها معاداة للسامية.. كانت هذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها رئيس فرنسي إلى هذا الحد وأنا أفترض ذلك تماما".
وأردف بالقول: "لقد كانت حماية مواطنينا اليهود من تصاعد معاداة السامية منذ اليوم الأول أولوية مطلقة لأعمالي.. تقع هذه المسؤولية على عاتق
فرنسا، وجميع الأجهزة الحكومية ملتزمة بها.. لا يمكن أن تخضع لأي تلاعب في وقت نواجه فيه استغلال صراع لا ينتمي إلى فرنسا ولكنه يثقل كاهل تماسكها الوطني وأمن مواطنينا".
وذكر في رسالته: "في حين أنني أصدرت في 31 يوليو القانون الذي اقترحه
مجلس الشيوخ بشأن مكافحة معاداة السامية في
التعليم العالي، وعقدنا مؤتمرا بشأن مكافحة معاداة السامية من فبرايرإلى أبريل، وخصننا 15 ألف ضابط شرطة لحماية أماكن التجمعات بعد 7 أكتوبر، وحشدنا ضباط الشرطة والمتطوعين من أجل سلامة الرياضيين والسياح الإسرائيليين خلال الألعاب الأولمبية والبارالمبية في الصيف الماضي، فإن هذه الاتهامات بالتقاعس في مواجهة آفة نحاربها بكل قوتنا غير مقبولة وتسيء إلى فرنسا بأكملها".
وذكر ماكرون أن "التاريخ يعلّمنا أنه حيثما حاولت معاداة السامية أن تتجذر، ازدهرت معها جميع أشكال العنصرية والكراهية، ومن هذا المنطلق كانت الجمهورية الفرنسية عدوا لا يكل لمعاداة السامية منذ ثورة 1789، وبالتالي، لا يمكن لأحد إن كان صادق النية، أن يشك في أنني سأظل الضامن للحاجة الملحة لمكافحة هذه الآفة في كل مكان وزمان وسيكون من الخطأ تفسير أو حتى تبرير، معاداة السامية في فرنسا بالقرارات التي اتخذتها".
وشدد الرئيس الفرنسي على أن معاداة السامية تأتي من بعيد، وقد غذاها اليمين المتطرف منذ زمن طويل، ويغذيها اليوم أيضا اليسار المتطرف الذي يدعم كراهية الجالية اليهودية، مشيرا إلى أن كل معاداة للسامية هي خيانة للجمهورية وعالميتها.
واستطرد
إيمانويل ماكرون قائلا: "تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لا يبرئ إسرائيل من السياسات التي تنتهجها اليوم في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، لدينا خلافات جوهرية، ولكن وفاء للصداقة التي تربط فرنسا بشعب إسرائيل، أصررت على الحفاظ على أوثق حوار معكم، حوار قائم على التزامنا الراسخ بحق إسرائيل في الوجود والأمن".
وأكد في رسالته أن تصميم فرنسا على أن يكون للشعب الفلسطيني دولة، ينبع من قناعتنا الراسخة بأن السلام الدائم ضروري لأمن إسرائيل ولتكاملها الإقليمي الكامل في شرق أوسط ينعم بالسلام، ولعملية التطبيع التي ندعمها والتي يجب استكمالها في أسرع وقت ممكن.
وأوضح أن هذا السلام الدائم سيتضمن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، تعترف بإسرائيل وبحقها في الأمن، منزوعة السلاح، تعيش بسلام إلى جانبكم.
وبين أن هذا الاقتناع المزدوج لا يعكس بأي حال من الأحوال أي تهاون يسمح لحماس أو غيرها من الجماعات الإرهابية باستغلال مثل هذه الدولة لتهديد إسرائيل في المستقبل.
وشدد في السياق على أنه يجب أن تكون الدولة الفلسطينية نهاية حماس، ونحن مقتنعون بعد قرابة عامين من العمليات الإسرائيلية في غزة، بأن هذه هي الطريقة الوحيدة اليوم للقضاء على حماس تماما ومنع الشباب الإسرائيلي من الانجرار وراء حرب دائمة ستكون مدمرة للفلسطينيين في غزة، بل ولإسرائيل والمنطقة بأسرها.
ولفت الرئيس ماكرون أنه ولتحقيق هذه الغاية، جمعت فرنسا والمملكة العربية
السعودية في
نيويورك يومي 28 و29 يوليو عددا كبيرا من الحكومات العربية والغربية وحكومات أخرى، أعربت عن استعدادها للانخراط في استراتيجية لليوم التالي، بما في ذلك تولي مسؤوليات أمنية انتقالية في قطاع غزة كجزء من مهمة تحقيق الاستقرار، ودعم ونزع سلاح الجماعات الإرهابية بدءا بحماس، والمساعدة في تجديد الحكم الفلسطيني القابل للحياة، المحرر من قبضة حماس، وإعادة بناء الأراضي المدمرة الآن، مبينا أن هذا الالتزام غير مسبوق.
وأفاد بأن هذا الالتزام ينبع من غضبهم الشديد إزاء الكارثة الإنسانية المروعة في غزة والتي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.
كما ينبع من قناعتهم بأن النزوح الجماعي لسكان غزة مدفوعا بالمجاعة والعنف بما يتجاوز الإهانة الأخلاقية التي يُمثلها، سيكون له آثار مباشرة ودائمة على الأمن الإقليمي والدولي، بما في ذلك أمن إسرائيل وأوروبا.
والأهم من ذلك وفق ماكرون، ينبع الالتزام من رغبة جماعية غير مسبوقة في تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط، حيث ساهمت إسرائيل مساهمة كبيرة خلال العامين الماضيين في الحد من تهديد آخر وهي
إيران.
ويضيف الرئيس الفرنسي: "إن هذه الرغبة في المساهمة في وضع ما بعد الحرب في غزة يرافقها عزم على المضي قدما على نفس المنوال مع بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويلها إلى دولة مستقلة، منزوعة السلاح، ومصلحة تعيش بسلام إلى جانبكم.. دولة فلسطينية لا مكان فيها لكراهية الآخر، سواء في التعليم أو في السياسات الأخرى.. نحن مستعدون لتحمل المسؤولية الجماعية عن الالتزامات التي تعهدنا بها في نيويورك والتي تعهد بها الرئيس
محمود عباس في رسالته بتاريخ 9 يونيو 2025".
وأشار إلى أن هذا المسار صعب، لكنه يمنح إسرائيل يدا قوية وجديدة على مستقبلها التطبيع الواسع النطاق في جميع أنحاء العالم الإسلامي ويضع حدا للصراع المستمر الذي أثر على الشعب الإسرائيلي قبل وبعد تأسيس إسرائيل، كما يضع حدا للتدهور الخطير في الصورة الأخلاقية لإسرائيل، والذي أصبح الذريعة والقوة الدافعة لمعاداة السامية الجديدة التي يجب أن نحاربها عالميا.
ويوضح ماكرون في رسالته أن هذا الالتزام غير مسبوق، ودعا نتنياهو إلى عدم رفضه على الفور باسم الصداقة مع شعب إسرائيل.
كما تطرق ماكرون في رده إلى إعادة احتلال قطاع غزة، حيث قال في الصدد: "قررت حكومتكم بدء مرحلة جديدة من الهجوم تفضي إلى إعادة احتلال غزة.. إنني على قناعة وأشارك شركائي هذا الرأي، بأن مثل هذا الإجراء سيؤثر سلبا على حياة الشعب الإسرائيلي لعقود قادمة، وسيكلف جيرانكم الفلسطينيين ثمنا باهظا، وسيساهم في تفويت الفرصة التاريخية المتاحة لكم بصفتكم
رئيس الوزراء الذي قاد مصير إسرائيل لأطول فترة في تاريخها وللشعب الإسرائيلي أيضا، للخروج من المعركة التي تخوضها إسرائيل حاليا بخسارة والفوز في معركة السلام.. فرصة تحويل المكاسب العسكرية التي حققتها إسرائيل على الساحة الإقليمية إلى نصر سياسي دائم، بما يخدم أمنها وازدهارها".
وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن
الولايات المتحدة وقطر ومصر سعت جاهدة للتوصل إلى وقف إطلاق نار لإطلاق سراح جميع الرهائن، متحدثا عن فقدان فرنسا أكثر من 50 من أبنائها في السابع من أكتوبر وعدم نجاة ثلاثة رهائن فرنسيين.
ويقول ماكرون: "إذ أفكر بهم جميعا وبعائلة بيباس وعائلة ديفيد اليوم، وبآلام ومعاناة العديد من العائلات التي لا تزال تنتظر عودة أحبائها، وبكل الألم الذي يتكبده أهل غزة، فإنني على قناعة تامة بأن العمل بإنسانية وشجاعة لإنهاء هذه الحرب واجبنا الجماعي، وهو السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدما.. وللمضي قدما نقترح طريقا موثوقا به وملزما للمجتمع الدولي والشركاء الإقليميين الذين سيعملون من أجل السلام، ومن مسؤوليتكم انتهاز هذه الفرصة".
وشدد في رسالته على أن احتلال غزة والتهجير القسري للفلسطينيين، وتجويعهم، وتشويه خطابهم بكراهية، وضم
الضفة الغربية، لن يحقق النصر لإسرائيل أبدا، بل على العكس سيعزز عزلة تل أبيب ويغذي من يجدونه ذريعة لمعاداة السامية ويهدد المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم.
وأكد ماكرون على أن الفلسطينيين لن يختفوا من أرضهم التي تضرب جذورهم فيها، ولا أحد يرى أي طريق سيفتح حينها لتحقيق رسالة إسرائيل في البقاء ديمقراطية عظيمة والوطن القومي لليهودية، مردفا بالقول: "باختصار، ستمنح هذه الإجراءات النصر لمن يرفضون الاعتراف بإسرائيل كصديق وحليف موثوق وشريك موثوق، كما هو مقدر لها أن تكون وكما نتمناها.. لا يمكن لفرنسا أن ترضى برؤية دولة صديقة تنزلق في دوامة عنف تتعارض مع تاريخها وأصولها وجوهرها الديمقراطي، وتتجاهل الفرصة التي يتيحها لها التاريخ اليوم.. لا يمكنني أن أقبل بهذا وأقترح مجددا كصديق وفي، العمل معا ومع جميع الشركاء الدوليين، من أجل سلام دائم لكم ولشعبكم وللمنطقة بأسرها".
وأكد ماكرون في رده على نتنياهو، أن إيجاد إطار عمل موثوق للخروج من الأزمة في غزة بات في متناول اليد، ووقف إطلاق نار دائم بات في المتناول، متسائلا:ما هو السبيل الآخر الذي تقدمونه لحلفائكم ولشعبكم اليوم؟.. لديكم الآن الفرصة بل الفرصة التاريخية".
وفي ختام رده المطول، دعا ماكرون رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التخلي عن الاندفاع المميت وغير القانوني نحو حرب دائمة في غزة، والتي تعرض إسرائيل للإهانة والإسرائيليين إلى طريق مسدود.
كما طالبه بالتوقف عن إعادة الاستعمار غير القانوني وغير المبرر للضفة الغربية، والاستيلاء على اليد الممدودة من الشركاء الدوليين الراغبين في العمل من أجل مستقبل من السلام والأمن والازدهار لإسرائيل والمنطقة.