في مشهد
روحاني مهيب، وتحت أمطار شتوية غزيرة، احتفل
الفاتيكان مساء 24 ديسمبر/كانون الأول بأول قداس لعيد الميلاد في حبرية البابا ليو الرابع عشر، حيث حملت كلماته رسالة واضحة إلى العالم دعا فيها إلى إحياء قيم الإيمان والمحبة والرجاء، محذرًا في الوقت نفسه من اختلالات اقتصاد يفقد إنسانيته في عالم يرزح تحت وطأة الأزمات والصراعات.
وترأس البابا ليو الرابع عشر، مساء الأربعاء، قداس عيد الميلاد داخل كاتدرائية
القديس بطرس في الفاتيكان، موجّهًا خلال عظته رسالة محبة وأمل إلى المؤمنين، انتقد فيها ما وصفه بانحرافات اقتصاد مشوّه يحوّل الإنسان إلى سلعة، مؤكدًا أن ميلاد السيد
المسيح يذكّر بكرامة الإنسان غير المحدودة وقيمته السامية، وفق ما نقلته محطة "بي.إف.إم"
التلفزيونية الفرنسية.
وقبيل انطلاق المراسم، خرج البابا الأمريكي إلى ساحة القديس بطرس لتحية نحو خمسة آلاف مؤمن احتشدوا تحت الأمطار لمتابعة القداس عبر شاشات عملاقة، بعدما امتلأت أروقة الكاتدرائية وعجزت عن استيعاب أعداد إضافية من الحضور.
وخاطبهم البابا باللغة
الإنجليزية قائلًا: "إن كاتدرائية القديس بطرس عظيمة، لكنها للأسف لا تتسع للجميع. أقدّر شجاعتكم، وأحترم رغبتكم الصادقة في التواجد هنا هذه الليلة"، في لفتة قوبلت بتفاعل واسع من الحاضرين.
وأمام جمع ضم كرادلة وأساقفة ودبلوماسيين، إلى جانب نحو ستة آلاف مؤمن داخل الكاتدرائية، ألقى البابا ليو الرابع عشر عظة ذات طابع ديني خالص، متجنبًا التطرق المباشر إلى القضايا السياسية الراهنة، في أسلوب اتسم بالهدوء والبساطة، على خلاف النهج الذي ميّز سلفه
البابا فرنسيس.
وقال البابا في عظته: "في الوقت الذي يقود فيه اقتصاد مختل إلى التعامل مع البشر كبضائع، يختار الله أن يصير شبيهًا بنا، كاشفًا عن
الكرامة اللامتناهية لكل إنسان"، مشددًا على أن رسالة الميلاد تضع الإنسان في قلب الاهتمام الإلهي.
وأضاف: "فلنعلن فرح الميلاد، عيد الإيمان والمحبة والرجاء"، وسط أجواء مهيبة مزجت بين التراتيل التقليدية والرموز الليتورجية العميقة، في واحدة من أكثر الاحتفالات الكنسية قدسية خلال العام.
واختار البابا، البالغ من العمر سبعين عامًا، إقامة قداس عيد الميلاد في توقيت متأخر مقارنة بالسنوات السابقة، إذ انطلقت المراسم عند الساعة السابعة والنصف مساءً، في تعديل لافت على البرنامج الزمني التقليدي للاحتفال.
وفي تغيير بارز، أعلن الفاتيكان أن البابا ليو الرابع عشر سيترأس صباح الخميس قداس يوم عيد الميلاد، في عودة إلى تقليد كنسي قديم يعود إلى عهد البابا
يوحنا بولس الثاني.
كما سيطل عند الظهيرة من شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليوجه بركته الشهيرة "إلى المدينة والعالم"، وهي مناسبة يستعرض خلالها
بابا الفاتيكان أبرز النزاعات والأزمات التي يشهدها العالم.
وباعتباره من أبرز الداعين إلى مفهوم "سلام منزوع السلاح"، يُتوقع أن يجدّد البابا دعواته لوقف الحروب، علمًا أنه كان قد طالب، مساء الثلاثاء، بهدنة عالمية ليوم واحد بمناسبة عيد الميلاد، معربًا عن أسفه لما وصفه برفض
روسيا لهذه المبادرة.
ويحل عيد الميلاد هذا العام متزامنًا مع ختام "سنة اليوبيل" أو "السنة
المقدسة" في
الكنيسة الكاثوليكية، وهي مناسبة دينية كبرى استقطبت ملايين الحجاج إلى
روما، مانحة احتفالات هذا العام بعدًا روحيًا استثنائيًا ورسالة رجاء في عالم يتطلع إلى السلام.