محلياً، لم يكن
العراق بمنأى عن هذه الأمواج، حيث عبرت البلاد محطة انتخابية مفصلية رسمت ملامح دورتها التشريعية السادسة، وسط آمال وطموحات بمرحلة من الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. وفي هذا التقرير، نستعرض شريط الأحداث الذي مرَّ أمام أعيننا طوال اثني عشر شهراً، لنتأمل في دروس الماضي ونحن نستعد لاستقبال عام جديد.
عودة ترامب إلى السلطة: منذ رجوعه للبيت الأبيض شهر كانون الثاني الماضي لولاية رئاسية ثانية؛ بدأ الرئيس الاميركي الجمهوري
دونالد ترامب عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين، وفكّك قطاعات كاملة من الحكومة الفيدرالية، كما استهدف ترامب الخصوم السياسيين ونشر الحرس الوطني في مدن صوّتت للديمقراطيين، وتوعّد وسائل الإعلام، وحارب برامج التنوع والشمول. كما قام ترامب بجهود دبلوماسية مكثفة كانت لها نتائج متباينة. تشير استطلاعات الرأي إلى تزايد استياء الأميركيين تجاه القضايا الاقتصادية؛ خاصة غلاء المعيشة، بينما وضعت هزائم الانتخابات المحلية القاسية حزب الرئيس بموقف حرج قبل انتخابات التجديد النصفي المقررة خلال الخريف المقبل.
توقّف حرب غزة: قادت الضغوط الاميركية إلى وقفٍ لإطلاق النار بين حماس واسرائيل؛ بعد سنتين تماماً من حرب ضروس وقعت على القطاع. وسمحت الهدنة الهشة بإعادة آخر المحتجزين الاحياء وجثامين الموتى منهم لدى حماس، مقابل الافراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين. سمح الاتفاق بدخول القليل من المساعدات الإنسانية إلى غزة؛ رغم أن ذلك لا يكاد يلبي احتياجات القطاع؛ وفقا لتقارير
الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية.
لكن التفاوض على المرحلة التالية من اتفاق ترامب للسلام؛ خاصة موضوع نزع سلاح حماس؛ أثبت حساسيته. قامت
إسرائيل بالكثير من الضربات الجوية المميتة في غزة خلال الاسابيع الماضية، مدعية أنها رد على هجمات لحماس. وما زالت التوترات الإقليمية قائمة؛ خاصة باستمرار الضربات الإسرائيلية على معاقل
حزب الله في
لبنان.
حرب الاثني عشر يوما وضربة قطر: شنت إسرائيل بمساعدة
الولايات المتحدة غاراتٍ على المنشآت النووية الإيرانية خلال حرب استمرت 12 يوما في شهر حزيران الماضي. كما استهدفت إسرائيل يوم التاسع من أيلول الماضي بالقصف الجوي مسؤولين بحركة حماس خلال هجوم غير مسبوق على الدوحة عاصمة قطر.
محادثات أوكرانيا: حرّك وصول ترامب إلى البيت الابيض جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ بعد الغزو الروسي عام 2022. تأرجحت توجهات ترامب عدة مراتٍ بين الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" ونظيره الروسي "
فلاديمير بوتين"؛ بينما تخشى كييف من إمكانية إجبارها على إبرام صفقة بشروط
موسكو. كان ترامب قد وبّخ زيلينسكي في المكتب البيضاوي عند زيارة الاخير لواشنطن مطلع العام 2025؛ متهماً إياه بتعريض العالم لخطر حرب عالمية ثالثة وتقليل احترام الشعب الأميركي.
وإذ لم تُفضِ المحادثات المباشرة بين
روسيا وأوكرانيا إلى نتيجة؛ استضاف ترامب الرئيس الروسي بوتين خلال آب الماضي بولاية ألاسكا الاميركية، في قمة بالغة الأهمية انتهت سريعاً، دفعت
واشنطن لاتهام موسكو بعدم السعي الجاد لإنهاء الحرب، وفرضت لاحقاً على روسيا أول حزمة عقوبات رئيسية. ومع ذلك جرت مفاوضات دولية أواخر شهر تشرين الثاني وفق مسودة خطة أميركية؛ لكن كييف وحلفاءها الأوروبيين اعتبروا النسخة الأولية منها مواتية إلى حد كبير لموسكو. في غضون ذلك توغلت القوات الروسية ببطء إلى داخل الاراضي الاوكرانية؛ مخلفةً خسائر بشرية ومالية فادحة لكلا الجانبين، وقصفت المدن الأوكرانية بأعداد قياسية من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
الحرب التجارية الدولية: فرض ترامب موجاتٍ من تعريفات كمركية على استيراد صناعاتٍ بأكملها عدّها استراتيجية؛ من أمثال: الحديد والالمنيوم والنحاس؛ ما قاد إلى نزاعٍ تجاري هز الاقتصاد العالمي. وبينما درست الدول المستهدفة إجراءات لرد إنتقامي أو نفذت تلك الاجراءات؛ قادت المفاوضات الصعبة لعديد من الاتفاقيات؛ بما فيها اتفاقات مع
الاتحاد الأوروبي والصين.
وفي فنائهم الخلفي ما زال المسؤولون الاميركان يتفاوضون مع المكسيك؛ مع تعليق المفاوضات مع كندا بعد تمويل مقاطعاتٍ كندية لإعلانات تنتقد التعريفات. لكن ترامب قرر منتصف تشرين الثاني الماضي، (وتحت ضغوطٍ لخفض تكاليف المعيشة للأميركيين)، إلغاء الرسوم الكمركية على بعض المنتجات الغذائية؛ مثل البن المستورد ولحم البقر.
بابا جديد للفاتيكان: أصبح "روبرت فرانسيس بريفوست" ذو التسعة وستين عاما أول بابا أميركي يوم الثامن من أيار الماضي، بعد وفاة سلفه فرانسيس (الذي كان بريسفوت مستشاراً له لفترة طويلة). واتخذ رجل الدين الأميركي المولود في شيكاغو، والذي أمضى نحو عشرين عاماً مبشراً دينياً في بيرو (وحصل على جنسيتها) اسم "ليو الرابع عشر".
وقد تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستين بالفاتيكان معلناً انتخاب البابا رقم 267 للكنيسة الكاثوليكية؛ بعد اجتماع انتخابي لم يتجاوز أربعاً وعشرين ساعة. سار البابا الجديد على نهج سلفه الأرجنتيني؛ بالتركيز على قضايا الفقراء والمهاجرين والبيئة، كما طمأن الأوساط المحافظة باستبعاد قضايا مثل ترسيم النساء شماسات والاعتراف بزواج المثليين.
ثورة الذكاء الاصطناعي: أنفقت شركات التكنولوجيا العملاقة والمستثمرون مبالغ متزايدة لتمويل النمو السريع للذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن يصل ذلك الانفاق لنحو 1500 مليار دولار خلال عام 2025، وإلى تريليوني دولار بحلول العام 2026؛ وفقًا لشركات الاستشارات الأميركية. لكن الأسواق تخشى "إنفجار" فقاعة مضاربة تحيط بتلك التقنية، وهناك مخاوف أوسع نطاقاً؛ إذ تُتهم هذه التقنية بتغذية المعلومات المضللة، وباتت دعاوى انتهاك حقوق الملكية الفكرية تتزايد بشكل كبير، بينما أرجعت العديد من الشركات عمليات التسريح الجماعي للعمال إلى تبني الذكاء الاصطناعي. واجهت احدى الشركات الاميركية دعوى قضائية أقامها والدا مراهق من كاليفورنيا منتحر مؤخرا؛ بدعوى أن برنامج الدردشة الآلي "تشارج جي بي تي- ChatGPT" التابع لتلك الشركة قدّم له نصائح حول كيفية تنفيذ خطته. وقالت الشركة إنها عززت أدوات الرقابة الأبوية لديها، بينما سنّت ولاية كاليفورنيا تشريعات تنظم برامج الدردشة الآلية.
سرقة متحف اللوفر: استخدم لصوصٌ يرتدون ملابس عمل سلماً للأثاث للدخول إلى متحف اللوفر بباريس فجر 19 تشرين الاول الماضي، وهربوا على ألواحٍ ذات عجلات (سكوتر) حاملين جواهر ملكية تُقدّر بنحو 88 مليون يورو (102 مليون دولار)، وأسقطوا تاجاً مرصعاً بالماس في طريقهم. تصدرت تلك السرقة الجريئة عناوين الأخبار وأثارت جدلاً واسعاً عن أمن أكثر متاحف العالم ازدحاما بالزائرين. جرى اعتقال واتهام ثلاثة رجال يُشتبه بقيامهم بدور بعملية السرقة وسُجنوا؛ لكن الكنوز المسروقة لم تُسترد حتى الآن.
انتخابات برلمان العراق: أجريت الانتخابات البرلمانية في العراق يوم 11 تشرين الثاني 2025؛ لاختيار أعضاء
مجلس النواب العراقي وعددهم 329 عضواً، ثم المضي قدماً لانتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للحكومة. حققت الانتخابات نتائج ايجابية من حيث المشاركة، التي ارتفعت بنحو 12 بالمئة عن انتخابات عام 2021؛ بنسب مشاركة بلغت نحو 55 بالمئة. وهي نتيجة جيدة تدعو للتفاؤل تحت ظل التوترات الحرجة المحيطة بالمنطقة.
الضربات الاميركية تُغضِب فنزويلا: نشرت واشنطن وجوداً عسكرياً معتبراً قبالة سواحل أميركا اللاتينية منذ آب الماضي، كان هدفه الرسمي مكافحة تهريب
المخدرات المتجهة نحو الولايات المتحدة. نفذت العسكرية الاميركية أكثر من 20 غارة جوية خلال الأسابيع الأخيرة بمنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، ضد سفن تقول الولايات المتحدة انها تشتبه بقيامها بنقل المخدرات؛ ما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص. تصر وزارة العدل الأميركية أن تلك الغارات كانت "قانونية"؛ رافضةً اتهامات مسؤول أممي رفيع بأن تلك الغارات "غير مصرحٍ بها قانونا..".
أنتجت هذه الحملة تصعيداً حاداً في التوترات الإقليمية، لا سيما مع فنزويلا؛ التي تعتبر الهجمات ذريعةً للإطاحة بالرئيس "نيكولاس مادورو" والاستيلاء على احتياطيات البلاد النفطية؛ بينما تتهم واشنطن مادورو برئاسة عصابة مخدرات. رصدت السلطات الأميركية مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
تغيرات مناخية كسرت السجلات: بينما واجهت فيتنام الفيضانات المميتة؛ ضربت عواصف قوية مناطق الكاريبي والفلبين. باتت احوال الطقس المتطرفة أكثر تواتراً وأشدُ فتكاً وأكثر تدميراً؛ بسبب تغيرات المناخ التي أججها نشاط الانسان؛ وفقا لرأي العلماء. دمّر إعصار "ميليسا" (وهو من الاقوى الذي ضرب منطقة البحر الكاريبي) مقاطعات بأكملها من جامايكا وأغرق هاييتي وكوبا. وتعرضت سواحل الفلبين جنوب شرق آسيا لمجموعة من الأعاصير: راغاسا وكالماجي وفونغ وونغ خلال فترة شهرين من الزمن؛ بينما روّعت العواصف والفيضانات والانزلاقات الارضية فيتنام.
ارتفعت درجات الحرارة إلى حدود عالية، واشتد اندلاع حرائق الغابات في اوروبا؛ فاحترقت مساحات قياسية من الهكتارات خلال الصيف المنصرم. عاش ساحل المتوسط الفرنسي أسوأ حرائق منذ نحو خمسين عاما، وفي الولايات المتحدة أدت حرائق سببّ البرق اشتعالها إلى إغلاق الحافة الشمالية للغراند كانيون (= الاخدود الارضي الكبير. المترجمة) الشهير أواسط تموز الماضي ولباقي فترة الموسم السياحي.