السومرية نيوز/
البصرة
إفتتحت وزارة السياحة والآثار، الأحد، الدار التي ولد وترعرع فيها الشاعر بدر شاكر السياب في قرية جيكور بالبصرة بعد تأهيليها من قبل الحكومة المحلية تمهيداً لتحويلها الى
منتدى ثقافي ومتحف يضم مقتنيات السياب الشخصية، فيما دعت رئاسة اتحاد الأدباء والكتاب الى نقل ملكية الدار الى
وزارة الثقافة كونها تعد صرحاً ثقافياً أكثر من كونها معلماً تأريخياً أو سياحياً.
وقال وزير السياحة والآثار عادل الشرشاب في كلمة له خلال حفل الافتتاح الذي حضره مراسل "
السومرية نيوز" إن "الوزارة تريد أن تكون دار السياب متحفاً شخصياً بعد إنجاز مشروع إعادة تأهيلها، إذ تطمح الوزارة الى تخليد بعض القامات العراقية من خلال تحويل بيوتها الى دور تراثية"، مبيناً أن "الوزارة تستعد لإعادة افتتاح المتحف الوطني العراقي الذي يعد خامس أفضل متحف في العالم، كما سوف نقوم بافتتاح متاحف في المحافظات، حيث سيتم إفتتاح متحف في
محافظة ذي قار خلال الشهر المقبل، ومن بعده متحف آخر في
محافظة المثنى".
ولفت الوزير الى أن "السياب يعد شخصية استثنائية، وهو يختلف عن غيره من الشعراء"، موضحاً أن "السياب واجه أوجاع الغربة والمرض والعوز والاضطهاد، ولم ينكسر أمام كل تلك التحديات والصعاب، بل ظل يحب الناس جميعاً".
من جانبه، قال محافظ البصرة ماجد النصراوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "مشروع تأهيل الدار نفذ بتمويل من موازنة المحافظة تمجيداً وتخليداً للسياب، وفي خطوة لاحقة سوف نعمل على تحويل الدار الى منتدى ثقافي ومتحف يضم مقتنيات السياب الشخصية"، مضيفاً أن "الحكومة المحلية تعتزم أيضاً ترميم المقبرة التي دفن فيها السياب، وكذلك صيانة تمثاله الشاخص في كورنيش العشار".
بدورها، قالت ابنة الشاعر آلاء بدر شاكر السياب في كلمة لها خلال الحفل إن "عائلة السياب تأمل أن تكون الدار صرحاً أدبياً وفنياً تفتخر به البصرة"، معتبرة أن "تأهيل الدار كان مجرد حلم يراود جميع محبي والدي".
بدوره، قال رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة الشاعر كريم جخيور في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "الاتحاد يؤكد على أهمية نقل ملكية الدار من وزارة السياحة والآثار الى وزارة الثقافة باعتبار الدار صرحاً ثقافياً بالمقام الأول"، مبيناً أن "حفل افتتاح الدار لم يكن يليق بالسياب كشاعر عالمي، وكان ينبغي أن يكون الحفل أفضل بكثير".
وأشار جخيور الى أن "الاتحاد لم يتمكن من إقامة ملتقى السياب الشعري، كما لم يتمكن من إقامة مهرجان البريكان الابداعي، وذلك بسبب غياب الدعم والتمويل الحكومي"، معتبراً أن "من يسن القوانين ويمتلك الأموال لا يكترث بالشأن الثقافي، ولذلك نعاني من تعثر إقامة بعض المهرجانات الأدبية والشعرية التي يفترض أن تكون سنوية".
وبحسب مستشار المحافظ لشؤون الآثار والتراث والمشرف على مشروع تأهيل الدار هاشم العزام فإن "الحكومة المحلية أنفقت على المشروع أكثر من 350 مليون دينار"، مضيفاً في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "كمية ليست قليلة من المواد التي استخدمتها الشركة المنفذة في تأهيل الدار هي مواد قديمة ونادرة الاستخدام، ومنها على سبيل المثال خشب الجندل والطابوق الفرشي، وذلك بدافع الحفاظ على الطابع التأريخي للدار التي يمتد وجودها الى أكثر من 150 عاماً".
وكانت وزارة الثقافة قررت استملاك دار السياب مقابل مبلغ زهيد في عام 1969، أما فكرة تطويرها فتعود إلى مطلع الثمانينات، عندما حاولت ترميمها هيئة الآثار والتراث، إلا أن الدار هدمت وفقدت أبوابها وشبابيكها نتيجة توغل قطاعات الجيش العراقي في المنطقة التي كانت مسرحاً لعمليات عسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وفي عام 2002 شرعت وزارة الثقافة باعادة تأهيل الدار بطلب من
نقابة الصحفيين العراقيين، لكن المشروع توقف كلياً في عام 2003 بسبب نشوب الحرب.
وتقع دار السياب في قرية جيكور ضمن قضاء أبي الخصيب، نحو 20 كم
جنوب مدينة البصرة، وتبلغ مساحتها 838 متراً مربعاً، وهي تتكون من طابقين، ويضم الطابق الأرضي ثماني غرف متجاورة يتوسطها فناء، كما كانت تحيط بالدار بساتين لأشجار النخيل وأنواع من الفواكه تمتلكها أسرة السياب، إلا أن الدار محاطة حالياً بعدد من البيوت التي أوجدها الزحف العمراني، كما كان ينطبق قبل اعمارها قول السياب في إحدى قصائده "خرائب فانزع الأبواب عنها تغدُ أطلالاً"، وعلى بعد أمتار من الدار يمر بويب، وهو نهر صغير طالما ذكره السياب في قصائده.
يذكر أن بدر شاكر السياب يعد أبرز رواد حركة الشعر الحر في
العراق، وعلى المستوى العربي، وقد ولد عام 1926 في قرية جيكور، وهو ينحدر من عائلة بصرية ذات وجاهة اجتماعية، ودرس
اللغة العربية ومن ثم الإنكليزية في
بغداد، وعمل مدرساً ومترجماً وصحفياً وموظفاً إدارياً في مؤسسات آخرها مصلحة الموانئ العراقية (الشركة العامة للموانئ)، وتوفي داخل المستشفى الأميري في
الكويت عام 1964 بعد صراع مرير مع المرض، ودفن جثمانه بمقبرة الحسن البصري في قضاء
الزبير، ومن دواوينه التي نشرها في حياته أزهار ذابلة، غريب على
الخليج، الأسلحة والأطفال، حفار القبور، والمعبد الغريق.
وقد واجه السياب مثل الكثير من الشعراء والأدباء العراقيين من مجايليه ظروفاً قاسية بسبب مواقفه السياسية، حيث اعتقل وفصل من الوظيفة مراراً، وفي عام 1952 اضطر إلى الهرب متخفياً بجواز سفر مزور إلى
إيران، ومنها انتقل إلى الكويت قبل أن يعود إلى العراق، وكان قبل إكمال دراسته منتمياً إلى الحزب الشيوعي ثم فصل منه ووجه له انتقادات لاذعة عبر سلسلة اعترافات نشرها بصيغة مقالات خلال عام 1959 في جريدة (الحرية) البغدادية تحت عنوان (كنت شيوعياً).