المجتمع لا يمانع وجود مشهورًا يقدم النصح والإرشاد والفعاليات العلمية والإنسانية وما إلى ذلك من فعاليات من شأنها خدمة الناس، لكنه يعارض بل يسخر من وجود أولئك الذين يتفننون في تقديم المحتوى الفارغ.
شخصية استعراضية
الباحث النفسي، ناهض موسى يبين أن "
الشهرة هي عملية استحواذ وحب ظهور، وتدخل ضمن الشخصية الاستعراضية في علم النفس، حيث يضم علم النفس العديد من الشخصيات بينها "الشخصية النرجسية" و "الشخصية الاستعراضية"، الأولى تتمثل بحب الأنا، حيث مبدأ الأنا قبل النحن هو السائد لدى النرجسي وعبر هذا المبدأ يمكن التوجه نحو الشهرة، أما الشخصية الاستعراضية هي التي تحاول الاستعراض بشتى الطرق أمام الناس، ويسيطر عليها حب الظهور وهذا ما يفعله البعض للوصول إلى الشهرة".
ويشير موسى في قوله إلى نبوءة
الرسام الأميركي "آندي وورهول" بشأن "ظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وقال سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط".
ويستدرك الباحث النفسي، بقوله لـ
السومرية نيوز، "الآن أصبح بإمكان أي طفل صغير أن يحقق الشهرة، خلال دقائق معدودة، عبر نشره مقطع فيديوياً في مواقع التواصل الاجتماعي"، مؤكداً أن "الشهرة في الوقت الحالي صارت متاحة للجميع وبأقل التكاليف وبأقل وقت ممكن".
ويبين موسى، أن "هوس الوصول إلى الشهرة سببه الحرمان، والكبت، والقهر، والعوز المادي".
اضطراب نفسي
ترى الباحثة الاجتماعية، أنعام الخير الله، أن "الشهرة أصبحت الآن حلم سريع الانتشار؛ وما ساعد على ذلك هو توفر
الانترنت و وسائل الاتصال الاجتماعي".
وتقول الخير الله في حديث لـ
السومرية نيوز، إن "الرغبة بالشهرة أو "الطشة" تخفي اضطراب نفسي غير مشخص، لاسيما أولئك الذين لا يفكرون بمحتوى نافع، ويتجلى همهم في جذب أكبر عدد من المشاهدين أو المتابعين حتى لو كان ذلك على حساب شخصيتهم أو مضرة غيرهم".
الأسباب والمسببات
وتشخص الخير الله عدة أسباب تدفع نحو "هوس الشهرة"، أبرزها "تراجع الحالة الاقتصادية التي يعيشها العالم، فمن خلال مواقع التواصل يمكن كسب الأموال من حيث عدد المشاهدات، أو عبر عمل إعلانات لمنتجات ما، أو عمل براندات"، وتمضي الباحثة الاجتماعية، قائلةً "هناك اسباب أخرى مثل حب الظهور والاختلاف والتميز وتعزيز الأنا والى آخره من المسببات".
وتقدم أنعام الخير الله، مقترحات لمعالجة هذه الظاهرة، إذ تقول "تغيير الروتين أمر ضروري، واستبدال الحياة الافتراضية بحياة اكثر واقعية أمر أهم، إذ يجب الانفصال عن الانترنت لساعات؛ لغرض قضاء وقت ممتع مع الاطفال او المشي وممارسة الرياضة او تعلم مهارة جديدة".
عزلة وانفراجة
يرى الصحافي والناشط في التواصل الاجتماعي، محمد جهادي في حديث لـ"السومرية نيوز" ان "هناك عدة اسباب تدفع الشخص للظهور بطريقة (الطشة) عبر التواصل الاجتماعي، اولها الجانب النفسي والفراغ الذي يعيشه فيجد نفسه في الفيس بوك على سبيل مثال،
بوابة لخروج من العزلة التي يعيشها احيانا".
ويضيف، قائلاً "اما السبب الثاني هو البحث عن طريقة كسب الاموال، صعوده كنجم في التواصل الاجتماعي يحقق له المزيد من الارباح سواء كان يقدم محتويات بلا معنى او باخر هادف".
ويكمل جهادي، ان "السبب الثالث يعود الى طموح الشخص الذي لم يحققه في الواقع فيجد التواصل الاجتماعي الطريق السهل لتحقيقه".
من جانبه، يوضح الصحافي
رسول مجيد، وهو أيضاً ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه "بعد الطفرة النوعية التي حصلت للتكنولوجيا في العالم، وأخص به
العراق على وجه التحديد، وما شهدته حقبة التطور هذه من تغيرات على الصعيدين المعرفي والثقافي، نرى وبشكل كبير أن أيديولوجيات الأشخاص بل وحتى الدول قد تغيرت أيضًا، وكأنها "جهاز إلكتروني" يحتاج إلى تحديث، حتى لو لم يكن محتاجًا له، فبعد أن كانت الموافقة على شيء ما أو حدث ما تتطلب بعض الآراء واختيار المناسب منها، ودرس المعارض بكل موضوعية، وتقبل الرأي الآخر، أو رفضه إذا كان مخلًا بالموضوع، ولا يمت له بصلة، هذه الأمور سرعان ما انقلبت رأسًا على عقب، وبات "الاعتراض ومخالفة السائد" هو "مهارة" كما يطلق عليه البعض؛ من أجل أن يتميز بين أقرانه، ويشعر بأنه هو "الأصح" بالرغم من علمه بأن رأيه هو المخالف والخاطئ، ولكن هذا الشعور لا يمنعه من الاستمرار في هذا السلوك المنبوذ، فالوصول إلى "الشهرة والتميز" بات حسب تفكيره بمخالفة كل ما هو سائد في المجتمع".
ويضيف مجيد لـ السومرية نيوز أن "المجتمع بات يعاني من مشكلة "خالف تعرف"، فأفراد هذا المبدأ الذي تجاوز كونه مثلًا شعبيًّا، تراهم يفعلون كل ما بوسعهم للوصول إلى الشهرة المصطنعة".