لم ينس الناجون من هذه الكوارث الانسحاب المشبوه للقوات الأمنية حينها، والذي بقي من دون تفسير واضح طيلة السنوات الماضية، ومن دون محاسبة أي من المسؤولين المتهمين بالتورط في سقوط
الموصل والأزمة الأمنية التي حاصرت المدنيين مدة زادت عن ثلاث سنوات تحت احتلال جماعة إرهابية سيطرت في ما بعد على نحو ثلث مساحة البلاد.
بعد سقوط الموصل بيد "داعش"، توالى سقوط أكثر من 20 مدينة عراقية في أقل من أسبوع، شمالي البلاد وغربها، أبرزها
البعاج وتلعفر وسنجار والقيارة والحظر وربيعة والجزيرة. ثم تلتها
تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى
الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وآلوس وبلدات أخرى.
استعادت القوات الأمنية، السيطرة على مدينة الموصل وطردت مسلحي تنظيم "داعش"، في يوليو/ تموز 2017، بعد معارك استمرت نحو عشرة أشهر، خلفت عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، قدّرهم نواب ومسؤولون بعشرات آلاف الشهداء والجرحى، أغلبهم من النساء والأطفال.
كما أدت المعارك إلى دمار واسع قدرت
وزارة التخطيط أنه طاول أكثر من 56 ألف منزل، وسط الحديث عن أن نحو ألف منزل منها ما زالت جثث أصحابها تحت أنقاضها، إضافة إلى تسجيل أسماء 11 ألف مفقود.
وخلال معارك التحرير التي قادتها القوات الأمنية مدعومة بالتحالف الدولي، سقط في مجمل مناطق
العراق أكثر من ربع مليون شهيد وجريح، إلى جانب عشرات آلاف المختطفين والمغيبين.
وما زالت التحديات التي رافقت سقوط الموصل وتداعياتها الأمنية حاضرة، إذ شدد الباحث والأكاديمي، يونس أحمد، وهو من الموصل على أن "الوضع الأمني شهد تحسناً نسبياً خلال السنوات الأخيرة، لكن التحديات ما تزال قائمة، خصوصاً في المناطق الريفية والحدودية"، مضيفاً أن "هناك خلايا نائمة (من التنظيم)، وثغرات في التنسيق بين
الأجهزة الأمنية، ونقص في القدرات التقنية".
أما على صعيد الخدمات في الموصل، فقال إنها "ما تزال بعيدة عن الحد الأدنى المقبول، إذ تعاني قطاعات الكهرباء والماء والصحة والتعليم، من نقص التمويل وسوء الإدارة، مع غياب رؤية تنموية متكاملة يمكن أن تُخرج المحافظة من حالة الإغاثة المؤقتة إلى الاستقرار المستدام".
وبحسب رئيس مركز "رؤية
بغداد" الناشط والصحافي، محمود النجار، فإن "الموصل ما تزال تعاني من تركة ثقيلة خلفها احتلال داعش والعمليات العسكرية" التي رافقته". وشدد النجار، وهو من مدينة الموصل، على أن "الحديث عن الدعم لا يمكن أن يُختزل بالمساعدات الإنسانية فقط"، موضحاً: "نحن بحاجة إلى دعم تنموي ممنهج يشمل إعادة بناء البنى التحتية، وتحسين
الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل مستدامة".
كما أن الموصل تحتاج، وفق النجار، إلى "دعم اجتماعي ونفسي وثقافي لإعادة دمج المجتمع (إشراك فئات المجتمع)، ومحو آثار التطرّف، وإعادة الثقة بين الدولة والمواطن". كذلك هناك "حاجة ماسّة إلى دعم سياسي يتمثّل في تمكين صوت الموصل الحقيقي من أن يكون ممثلاً في صنع القرار الوطني".
وأكد أن "هناك من تورط – تحت الإكراه أو الجهل أو المصالح – في دعم تنظيم داعش، لكنّ الغالبية العظمى من سكان الموصل كانوا ضحايا، لا شركاء. دفعوا الثمن من أرواحهم ومنازلهم ومستقبل أبنائهم". وقال إنه "من غير العدل ولا الوطنية أن نستمر في وصم مدينة كاملة بذنب قلة، خصوصاً بعد أن قدّمت الموصل الكثير من الدماء في سبيل التحرير".