حصص منتظمة لمولدات غير موجودة
ووفقاً للمصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، فإن "العشرات من المولدات المسجلة في قوائم
وزارة النفط ومحافظات عديدة، لا وجود لها فعلياً، وبعضها مجرد أسماء وأرقام على الورق، لكنها تتلقى حصصاً شهرية من وقود الكاز بأسعار مدعومة من الدولة".
وأكدت المصادر أن "هذه المولدات الوهمية يتم إنشاؤها بالتنسيق مع بعض المسؤولين المحليين في
الإدارة المحلية"، لافتة الى انها "تُدرج ضمن قوائم الدعم، ويتم تزويدها بمئات أو آلاف الليترات شهريًا من وقود الكاز، في وقت يعاني فيه المواطنون من نقص حاد في تجهيز الكهرباء، وارتفاع أسعار الاشتراك بالمولدات الأهلية الحقيقية".
الكاز المدعوم.. إلى السوق السوداء
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها
السومرية نيوز، فإن الكميات الكبيرة من الكاز التي تُصرف لتلك المولدات الوهمية، لا تُستخدم لأغراض توليد الكهرباء، بل تُباع مباشرةً في السوق السوداء بأسعار تفوق السعر المدعوم بأربعة إلى خمسة أضعاف".
ويقول أحد أصحاب المولدات الأهلية في
بغداد، رفض ذكر اسمه "نحن ننتظر حصصنا بالساعات أحياناً، بينما نرى كيف تمر شاحنات الكاز بشكل يومي إلى جهات نعرف أنها لا تملك أي مولد فعلي، وتُباع تلك الكميات لاحقًا لتجار السوق السوداء أو تُهرّب عبر شاحنات صغيرة مخصصة لهذا الغرض".
شبكات التهريب عبر الإقليم
مصادر أمنية مطلعة أكدت لـ
السومرية نيوز أن "عمليات التهريب لا تتوقف عند السوق الداخلية، بل تتجاوزها إلى خارج
العراق، وتحديداً عبر منافذ
إقليم كردستان، حيث يتم نقل شحنات الكاز على أنها وقود لمولدات مرخصة في المناطق الشمالية، ثم تُباع لاحقًا في
تركيا أو
سوريا بأسعار مضاعفة".
وأضاف المصدر الأمني ان "هناك مافيات تعمل بالتنسيق مع سواق شاحنات ومتنفذين تُسهّل خروج هذه المواد دون تدقيق فعلي، مستفيدة من غياب الرقابة الفعالة وانشغال الجهات الرقابية بأولويات أخرى".
غياب للرقابة.. وتواطؤ جهات رسمية
وبينت مصادر مطلعة أن "هناك مؤشرات كثيرة على وجود تلاعب واسع في سجلات توزيع الوقود، لا سيما في المحافظات الوسطى والجنوبية، حيث لا تتناسب أرقام التجهيز مع عدد المولدات الحقيقية المسجلة فعلياً".
كما تحدث موظف سابق ان "هناك تواطؤ من داخل الدوائر الحكومية، فالحصص لا تُصرف من فراغ، بل بتواقيع رسمية وموافقات إدارية، وفي أغلب الأحيان يتم إدخال أسماء مولدات لأشخاص متنفذين أو تابعين لجهات سياسية، ولا أحد يجرؤ على التدقيق أو الاعتراض".
أضرار جسيمة على الاقتصاد والمواطن
وحذر خبراء اقتصاديون من أن “استمرار هذا النوع من الفساد يُلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد العراقي، ليس فقط من خلال سرقة المال العام، بل عبر زعزعة السوق المحلي ورفع أسعار الوقود الحقيقي للمولدات العاملة، ما ينعكس على المواطن من خلال ارتفاع أجور الاشتراك الكهربائي".
وأضافوا لـ السومرية نيوز ان "الحكومة تخسر ملايين الدولارات شهرياً بسبب هذا النوع من الفساد، كما أن تهريب الوقود المدعوم يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية وتحقيق أرباح غير مشروعة لفئات ضيقة على حساب الفئات الفقيرة التي تعاني أصلاً من تردي الخدمات".
دعوات للتحقيق
وفي ظل تصاعد الأصوات الشعبية المطالبة بمحاسبة الفاسدين والمتاجرين بالوقود، لا تزال الجهات الرسمية تكتفي بتشكيل لجان تحقيق لا ترى نتائجها
النور.
فملف المولدات الوهمية مرتبط بجهات نافذة سياسياً وأمنياً، ما يجعل فتحه مهمة محفوفة بالمخاطر لمن يحاول الاقتراب منه.
سياسيون اكدوا أن "البرلمان السابق طرح هذا الملف في أكثر من مناسبة، لكن دون جدوى، بسبب تدخل أطراف سياسية نافذة كانت تُعرقل أي جهد حقيقي لمحاسبة المسؤولين عن هذا الملف الخطير".
ويبقى المواطن العراقي ضحية مزدوجة: من جهة يعاني من الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، ومن جهة أخرى يدفع من جيبه أجوراً مرتفعة لمولدات أهلية تعاني بدورها من شح الوقود، بينما يُباع وقود الدولة في السوق السوداء أو يُهرب عبر الحدود، في واحدة من أكثر حلقات الفساد تعقيداً وإيذاءً للاقتصاد الوطني.