ووسط تصاعد النقمة الشعبية، تتزايد شكاوى المواطنين من ظاهرة التعيينات الوهمية وبيع الوظائف الحكومية بـ المزاد السياسي، ما يعيد إنتاج مشاهد الفساد والمحسوبية ويقوّض أي أمل بالإصلاح الحقيقي.
وعود انتخابية ذهبية تنقلب سراباً
مع قرب بدء الحملات الانتخابية، يسارع المرشحون إلى إطلاق وعود توصف بالذهبية، بدءاً من توفير آلاف فرص العمل، وبناء المدارس والمستشفيات، وتحسين الخدمات، وصولاً إلى خفض
الضرائب ومحاربة الفساد.
إلا أن الواقع ما بعد الانتخابات يكشف عن فجوة كبيرة بين الأقوال والأفعال، إذ يتذرّع الفائزون بغياب الدعم الحكومي أو نقص الموازنات، لتبرير فشلهم في تنفيذ أبسط التزاماتهم تجاه جمهورهم.
ويقول خبراء سياسيون للسومرية نيوز ان "الوعود الانتخابية تحوّلت إلى أداة للتضليل السياسي، حيث ان الناخب العراقي سئم من سماع الشعارات ذاتها، بينما تتكرّر الإخفاقات في كل دورة"، موضحين ان "المشكلة الأعمق هي غياب المحاسبة القانونية لمن يروّج وعوداً كاذبة لكسب الأصوات، وهو ما يشجّع على استمرار الظاهرة".
الوظائف الحكومية.. من حقٍّ عام إلى مزاد علني
إلى جانب الوعود الكاذبة، يشهد
العراق موجة استياء شعبي واسعة بسبب تفاقم ظاهرة بيع التعيينات الحكومية مقابل مبالغ مالية ضخمة، أو تخصيصها على أسس حزبية وطائفية، في خرق واضح لمبدأ تكافؤ الفرص.
موظف شاب فضّل عدم ذكر اسمه قال لـ
السومرية نيوز "قدّمتُ عشرات الطلبات للتعيين منذ سنوات، لكنني تلقيت عروضاً بدفع مبالغ تصل إلى 15 ألف دولار مقابل وظيفة على الملاك الدائم"، متسائلا "كيف يمكن لشاب عاطل عن العمل تأمين مثل هذه المبالغ؟ الوظائف أصبحت تجارة رابحة لبعض الوسطاء والمسؤولين؟".
تحذيرات من "انهيار ثقة الناخب"
ويرى الخبير في الشأن الانتخابي حيدر الجنابي أن "استمرار هذا النهج يهدّد مستقبل العملية الديمقراطية برمتها"، لافتا الى "اننا حين يفقد المواطن ثقته بوعود المرشحين، تتراجع نسب المشاركة في الانتخابات، ويصبح العزوف الشعبي أداة ضغط سلبية".
وتابع "الأخطر هو تولّد قناعة عامة بأن السياسة طريق للمنفعة الشخصية، لا وسيلة لخدمة الوطن".
مرشحة تروج لنفسها من خلال سفرات لكردستان
واكد مواطنون لـ
السومرية نيوز، ان "احدى المرشحات روجت لنفسها عبر اختيار اسر فقيرة او محدودة الدخل وارسالها سفرة على حسابها لاربيل"، لافتين الى ان "الشارع الذي فيها مكتبها يعاني من التكسرات والحفر ولم تقم باكساءه".
وبينوا ان "هذه الاساليب لا تنطلي على المواطنين الذين اصبحوا واعين وذو خبرة بسبب كثرة الوعود الوهمية والكاذبة مع كل موعد انتخابات".
دعوات لتشريع قانون رادع
وفي ظل تفاقم الأزمة، تعالت الأصوات المطالبة بتشريع قانون يجرّم الوعود الانتخابية الكاذبة ويُلزم المرشحين بتقديم برامج عملية قابلة للتنفيذ، مع فرض رقابة صارمة على ملف التعيينات الحكومية.
كما دعت منظمات مدنية إلى إطلاق منصة وطنية لرصد ومتابعة أداء النواب والمسؤولين بعد الانتخابات، لتوثيق مدى التزامهم بما تعهدوا به.
بين الناخب والمرشح.. "حلقة مفقودة"
ويبقى السؤال الأبرز: من يضمن حق الناخب بعد أن يدلي بصوته؟ وهل ستبقى الوظائف والامتيازات تُدار وفق المزادات السياسية والمال الحرام، أم أن العراق قادر على بناء منظومة انتخابية ومؤسساتية تحاسب كل مسؤول يخلّ بوعوده؟
ويبدو استعادة الثقة بين الشارع والقوى السياسية رهينة بمدى جدية الدولة في وضع حدّ لهذه الظواهر، وتجريم بيع المناصب والوظائف، وربط الوعود الانتخابية ببرامج واضحة قابلة للتطبيق.
وإلى حين ذلك، ستظل قصص "الوعود الكاذبة" و"التعيينات بالمزاد" عنواناً بارزاً للأزمات المتراكمة.