ورغم الإجراءات الحكومية التي أعلنت مراراً عن متابعة هذا النوع من المحتوى واتخاذ قرارات بحق المخالفين، إلا أن الظاهرة لا تزال قائمة، بل إن بعض الأشخاص يذهبون أبعد من ذلك، فيعلنون عن نشر موادهم بشكل علني، وهم على يقين بأنهم سيكونون تحت طائلة المحاسبة.
الإجراءات الحكومية ومساعي الردع
اللجان الرقابية والأجهزة الأمنية، بالتنسيق مع القضاء، وضعت منذ العام الماضي خطة لمواجهة المحتوى المسيء عبر حملات رصد ومتابعة وتفعيل البلاغات الإلكترونية.
وقد أسفرت هذه الجهود عن إيقاف حسابات وإلقاء القبض على عدد من صناع المحتوى الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء.
لكن هذه الإجراءات لم تمنع استمرار الظاهرة، إذ يراها بعض المختصين ردعاً آنياً أكثر من كونها معالجة جذرية، لاسيما في ظل استمرار الدوافع الاقتصادية والاجتماعية التي تغذي هذه الممارسات.
شهرة مقابل المحاسبة
المفارقة أن كثيراً من صناع المحتوى الهابط لا يخفون نواياهم، بل يعلنون عنها بشكل صريح، مدركين أن العقوبة قد تطالهم عاجلاً أو آجلاً.
لكنهم يعتبرون أن الضجة الإعلامية والانتشار الذي يسبق أي إجراء بحقهم كفيل بجعل أسمائهم مادة متداولة على نطاق واسع، وهو ما يفتح لهم أبواب المتابعة، وأحياناً عقود الدعاية والإعلانات عبر منصات مختلفة.
هذا النمط من التفكير جعل المحتوى الهابط يتحول إلى وسيلة لكسب المال، حتى إن بعضهم يرى في الإجراءات الرسمية فرصة لتعزيز مكانته في عالم "الترند".
بطالة وفراغ اجتماعي
ووفقاً لمراقبين اجتماعيين، فإن البطالة والفراغ هما أكبر عاملين ساعدا على انتشار هذه الظاهرة، إذ وجد بعض الشباب وحتى الشابات بل وحتى بعض كبار السن في إنتاج محتوى مثير للجدل وسيلة بديلة عن العمل التقليدي.
فبينما يعاني سوق العمل من ضعف الفرص، يجد هؤلاء أن دقائق قليلة من بث مباشر أو مقطع قصير قد تجلب لهم دخلاً يفوق ما يجنيه الموظف الحكومي شهرياً.
ويشير باحثون اجتماعيون إلى أن "هذه الظاهرة لا يمكن فهمها بمعزل عن الضغوط الاقتصادية التي يعيشها المواطن العراقي، الأمر الذي جعل المحتوى الهابط يتحول إلى ما يشبه المهنة غير الرسمية".
مخاطر اجتماعية وثقافية
لكن الوجه الآخر لهذا الانتشار يكمن في المخاطر التي يتركها على المجتمع، إذ يؤكد خبراء الإعلام أن هذه الممارسات تساهم في تشويه صورة
الفضاء الرقمي وتحويله إلى ساحة للابتذال، ما يضعف قيمة المحتوى الإيجابي ويُقصي المبادرات الجادة.
كما أنها تؤثر سلباً على الأجيال الناشئة التي تتخذ من بعض هذه الشخصيات قدوة، وهو ما يهدد البنية القيمية والثقافية على المدى البعيد.
ما بين الردع والمعالجة
ويطرح المتخصصون حلولاً متعددة لمواجهة الظاهرة، من بينها تطوير برامج التوعية الرقمية في المدارس والجامعات، وتشجيع المبادرات الشبابية لإنتاج محتوى هادف ومؤثر، وتوفير بدائل اقتصادية وفرص عمل حقيقية تحد من لجوء الشباب إلى أساليب
الشهرة السهلة، وتعزيز الدور الرقابي للمؤسسات الإعلامية ومنظمات
المجتمع المدني".
ويبقى المحتوى الهابط تحدياً مفتوحاً أمام الحكومة والمجتمع، إذ إن الردع القانوني وحده لا يكفي ما لم يقترن بمعالجات اجتماعية وثقافية واقتصادية أعمق.
وبينما يراهن بعض صناع هذا المحتوى على الضجة لتحقيق الشهرة والمال، فإن الثمن الحقيقي يُدفع من رصيد القيم والذوق العام للمجتمع.