ورغم الجهود الحكومية، والتوقعات بأن يكون اليوم بداية مرحلة جديدة في رقابة المنافذ الحدودية، جاء قرار
البنك المركزي العراقي ليقلب المشهد، بعدما أعلن تأجيل تطبيق شرط البيان الجمركي المسبق للشركات الراغبة بشراء الدولار مقابل الاستيراد حتى كانون الثاني 2026، مع استثناء أربع سلع فقط من القرار هي: الذهب والمجوهرات، الهواتف النقالة، السيارات، وأجهزة التبريد.
ويمثل هذا النظام أداة أساسية لإحكام الرقابة على دخول البضائع، إذ يشترط تقديم البيان الجمركي المسبق الصادر من نظام "الأسيكودا" متضمناً رمز الوصول السريع (QR)، عبر منصة "أور" ضمن نظام صحة الصدور، إلى جانب المستندات التجارية النهائية التي تشمل رقم البيان وعقد أو فاتورة تجارية نهائية بالقيمة الكلية، ووصف المواد، وكمياتها، وبلد المنشأ والشحن، واسم المصدر والمستورد، والمنفذ الحدودي، ورقم الشاصي بالنسبة للسيارات، واسم ورمز المصرف والشركة المستوردة، وبيانات وكيل التخليص.
كما أوجب القرار عدم تنفيذ أي تحويل خارجي من قبل المصارف ما لم تُزوَّد بالبيان الجمركي المسبق والمستندات المرافقة، مع إلزامها بإدراج رقم البيان في نظام التحويل (سويفت) بدلاً من البيانات السابقة، ما يجعل البيان بمثابة "جواز مرور" لأي حوالة تجارية.
الخبير في الشأن الاقتصادي،
خالد الجابري يرى أن "تنظيم السوق يبدأ من ضبط عمليات الاستيراد والتصدير بشكل دقيق، ومعرفة طبيعة البضائع الداخلة والخارجة والجهات المالكة لها".
وأضاف، أن البيان الجمركي المسبق لكي يؤدي دوره الحقيقي يحتاج إلى تحديث الإطار التشريعي عبر قانون
ضرائب جديد وقانون شركات أكثر وضوح، إلى جانب تنظيم
قانون العمل والوكالات التجارية.
التحويلات الدولارية
وأشار المتحدث، إلى أن هذا التنظيم يجب أن يتوازى مع رقابة واضحة على التحويلات الدولارية لمنع أي التباس قد ينعكس سلباً على استقرار السوق.
وبين
الجابري، أن هذه الإجراءات ستحدد مسارات الحوالات التجارية وتضبط المنافذ الحدودية والإيرادات
الجمركية، ما يمنح المؤسسات الرقابية قدرة أكبر على المتابعة ويعزز ثقة القطاع الخاص والمواطنين بسلامة الإجراءات، محذراً من أن استمرار
الفوضى يبقي الباب مفتوحاً أمام التلاعب، بينما يشكل التنظيم الدقيق خطوه أساسية صوب سوق أكثر استقرار.
تحديث السجل التجاري
وتوقف الجابري عند ظاهرة ما يعرف بـ "الشركات المحروقة" وقال: إن تسجيل شركات بديلة للهروب من المساءلة ممارسة يجب أن تنتهي بالتزامن مع تنظيف وتحديث السجل التجاري.
ونبه إلى أن القضاء على هذا الأسلوب سيحد من التهرب ويعزز المسؤولية القانونية، مشدداً على ضرورة فرض ضوابط صارمة على المستوردين، واعتماد مواصفات دقيقة تضمن دخول بضائع مطابقة وتعزز الشفافية والانسيابية في السوق.
نظام جمركي واضح
من جانبه، رأى استشاري التنمية الصناعية،
عامر الجواهري، أن البيان الجمركي المسبق يمثل أسلوباً جديداً لتنظيم الحركة المالية، ويجب تطبيقه في جميع منافذ
العراق دون استثناء.
وأشار إلى أن نجاح هذه الخطوة يرتبط بتوفير تسعيرة دقيقة في المنافذ، بما يضمن نظاماً جمركياً واضحاً يقلل من حالات الإثراء غير المشروع.
وذكر الجواهري أن تطبيق هذا النظام يجب أن يستند إلى وسائل رقمية حديثة تضمن دقة الإجراءات، مبيناً أن تقييم نتائجه سيكون أكثر وضوحاً بعد مرور فترة من تطبيقه.
ومن المتوقع أن يسهم هذا النظام في ضبط الإجراءات الجمركية وتنظيم الاستيراد وتوفير إحصاءات دقيقة تساعد في رسم السياسة الاستيرادية.
التدقيق اللاحق
كما ينتظر أن يتحول البيان المسبق إلى جواز مرور للتحويلات المالية، الأمر الذي يسهل التدقيق اللاحق، ويكشف حالات تضخيم الفواتير التي لجأ إليها بعض المستوردين سابقاً وستقوم الأجهزة الرقابية بالمطابقة وفق آليات رقمية أُعدت مسبقاً لهذا الغرض، إلى جانب الرقابة التي تنفذها هيئة المنافذ الحدودية ومراكز التدقيق المستحدثة في هيئة
الجمارك.
وفي ضوء هذه الإجراءات، يرجِّح مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة تأسيس شركات جديدة أو دخول أخرى إلى مجال التحويلات المصرفية، في محاولة للهروب من المخالفات التي لحقت بما يعرف بـ "الشركات المحروقة".