السومرية نيوز/ كربلاء/بغداد
ينفض الستيني حيدر مجيد يديه من كيس مملوء بالعدس قربه ويلقي نظرة غضب
وامتعاض لإعلان عن مسلسل على شاشة التلفزيون
المعلق على جدران محله، ثم يهز بيديه قائلا "لا أدري هل نحن في أيام رمضان أم
في أيام مهرجان".
وفيما يمر يوميا العشرات من الزبائن على محله المتخصص ببيع المواد الغذائية
في سوق الدهان وسط
كربلاء، لا يخفي مجيد امتعاضه حين يشاهد الإعلانات الخاصة
بعروض درامية سيتم بثها في شهر رمضان من خلال العشرات من القنوات الفضائية المحلية
والعربية، ويحاول من وقت لآخر إشراك احد زبائنه بالتعليق على إعلان يبث عبر واحدة من
الفضائيات يبشر بعرض مسلسل جديد يتناول شخصية تاريخية مهمة".
ويشرح حيدر مجيد موقفه لـ"السومرية نيوز"، موجها كلامه أيضا
لبعض زبائنه "يا أخوان هذه الأعمال
التلفزيونية التي تبث في شهر رمضان لا تتناسب
والطبيعة العبادية لهذا الشهر، أغلبها فيها مشاهد خادشة للحياء أو مهتمة فقط تهتم بالجانب
الترفيهي على حساب الجوانب العبادية".
من جانبه يؤكد المواطن ضياء الفراتي أن مدينة كربلاء "تعد من المدن
الدينية المحافظة ويحرص مواطنوها على إحياء ليالي شهر رمضان في العتبات الدينية أو
في الحسينيات والمساجد التي تحفل بالمجالس والمحاضرات الدينية.
ويضيف الفراتي "ولهذا فأن مشاهدة مختلف الأعمال التلفزيونية خلال
شهر رمضان تعد أمرا غير مرغوب فيه لدى كثير منهم حيث يصفون المشاهد التي تنطوي عليها
هذه المسلسلات بأنها غير محتشمة "وتذهب بأجر الصائم".
أريد المحافظة على دين عائلتي والمسلسلات تمنعني
وكما يبدو، لا تقتصر الانتقادات التي توجه للأعمال الدرامية التي تعرض
في شهر رمضان على المواطن ضياء على عدد محدود من الأشخاص، فأغلب المتحدثين من مواطني
بكربلاء ينتقدون معظم هذه الأعمال بدعوى إنها لا تلائم طبيعة الشهر.
بدوره، يذهب أحمد
عبد الحسين، وهو موظف على ملاك
وزارة التربية إلى وصف
هذه الأعمال بـ"الإسفاف"، ويرى "أنها لا تربي الإنسان بل تهدف إلى القضاء
على الوقت خلال ساعات الصيام بمشاهدتها دون غيرها من الأعمال التي يجب أن يحرص عليها
المؤمنون خلال شهر رمضان".
ويؤكد عبد الحسين "بالنسبة لي قمت بمنع أفراد أسرتي من مشاهدة جميع
الأعمال الدرامية التي أرى أنها غير ملائمة لشهر رمضان، لكي أحافظ على دينهم وعلى الأجر
الذي يحصلون عليه بالصيام".
وإلى جانب من يعتقدون بأن شهر رمضان قد تحول إلى موسم تتنافس فيه الفضائيات
ومنتجو الأعمال الدرامية، لا يجد آخرون ضيرا في أن يتم عرض أعمال درامية متنوعة خلال
شهر رمضان، ويعتقد أبو جعفر، وهو رجل في عقده الرابع، ويعمل سائقا أن "الأعمال
التلفزيونية بدأت تتطور من سنة لأخرى".
ويلاحظ أن شهر رمضان كان يشهد في الثمانينيات
ومطلع التسعينيات من
القرن الماضي أعمالا تلفزيونية مثل الفوازير فيها غناء ومشاهد
لا تليق بالشهر، بعكس الحال في السنوات الأخيرة، اذ يعتقد أن الأعمال التلفزيونية بدأت
تأخذ طابعا تاريخيا وتتناول السير الخاصة بالأنبياء والشخصيات الإسلامية التي برزت
في صدر
الإسلام، مثل مسلسل المختار الثقفي، ومعاوية، وعمر بن الخطاب".
ومع ما يثيره البعض حول المسلسلات التاريخية من انتقادات يرى ابو جعفر
في حديث لـ"السومرية نيوز"، انها لا تخلو من الفائدة، فهي "تضيء جوانب
معتمة من التاريخ يمكن تفحصها بالمشاهدة" دون أن يخشى من إثارتها الخلافات والفتن
بين
المسلمين ممن يتابعونها، فهو يعتقد أن الخلافات بين المسلمين موجودة منذ عصور ولا
يمكن إثارتها بعمل درامي".
مواطنون بكربلاء: مسلسلات رمضان تثير النعرات وهي حرب دينية خفية
وفي حين تجد أم سعيد، متعة في مشاهدة الأعمال التاريخية إلا أن آخرين
يبدون تحفظا حيالها، يعتبر خليل جواد أن "هذه المسلسلات تثير النعرات والاختلافات
بين المسلمين وتأتي في وقت تتصاعد فيه حدة المشاعر الدينية".
ويصف جواد واقع حال هذه الأعمال بأنها "حرب دينية خفية اشتعلت عندما
بدأت
إيران أواسط تسعينيات القرن الماضي بإنتاج مسلسل الإمام علي، الذي أثار حفيظة
المملكة العربية السعودية آنذاك فاحتجت رسميا على ما اعتبرته استهانة ببعض الشخصيات
التاريخية التي جسدها المسلسل.
وبينما استمرت إيران بإنتاج مسلسلات أخرى تناولت حياة عدد من أئمة المذهب
الشيعي وما أحاط بهم من أحداث، قامت بعض
الدول العربية بتجسيد تحفظاتها على ما تنتجه
إيران من أعمال بإنتاج مسلسلات تاريخية من أبرزها مسلسلات معاوية وعمر بن الخطاب وهارون
الرشيد، لتأتي كرد على المسلسلات الإيرانية
التي أنتجت".
ويبقى هذا التنافس بالنسبة للمواطن أبو علاء "نوع من الصراع الدرامي
لإعادة عرض التاريخ كل من وجهة نظره"، مبينا أن "المصادر التاريخية مختلفة
حيال القضايا التي يتم تناولها في هذه الأعمال، وبالتالي فأنها لا توطد العلاقة بين
المسلمين لأن هدف منتجيها إبراز قراءتهم الخاصة للوقائع والشخصيات التاريخية على حساب
قراءات أخرى مختلفة عنهم".
ويضيف ابو علاء في حديث لـ"السومرية نيوز"، مازحا "يبدو
أننا بدأنا نعيش في عصر الحروب التلفزيونية- الدينية، وأسال الله الستر والعافية، لكي
لا يتطور الأمر بعدها إلى ما لا يحمد عقباه".
المسلسلات ضرورية فهي تطفئ العطش
وعلى الطرف الآخر من كل هذه الآراء من المواطنين بكربلاء من لا ينظر إلى
الدراما الرمضانية بحساسية مفرطة.
حيث إن محمود حسين، وهو شاب في
منتصف عقده الثالث يبدي إعجابه بهذه المسلسلات ويجد أن "الاستمتاع بمشاهدة أعمال
درامية خلال ساعات النهار أو أول المساء يضفي جمالا مضاعفا على شهر رمضان".
ويشير حسين في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "الصائمين يحجمون
لساعات طوال يوميا عن تناول الطعام والماء ولابد لهم من أجواء تنسيهم هذه المصاعب،
وليس هناك أفضل من المسلسلات الرمضانية لتناسي الجوع والعطش".
الدراما الدينية تشهد تنافسا محموما
من جانبه، اعتبر الروائي والمؤلف احمد السعداوي أن "الجدل
الدائر بشان الدراما العراقية والعربية لا يختلف عن الأعوام السابقة إلا أن الجديد
فيه هذا الموسم الجدل بشان الدراما الدينية التي تشهد تنافسا محموما تحول الى حرب طائفية
سيما مع تجسيد بعض الشخصيات بوجهات نظر تحمل
أبعادا طائفية تعبر عن وجهات نظر مخرجي تلك الأعمال"،
مشيرا إلى أن "هذا النوع من الدراما يثير المشاهد وبالتالي فان الجدل سيستمر مع
استمرار عرض تلك الأعمال".
وأكد السعداوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "الدراما
العراقية شهدت هذا العام الدخول بمنطقة مهمة لأن إنتاجها فيه ضخم حيث إن عدد الأعمال المقدمة فيه اكبر
بكثير عن الأعوام السابقة، فضلا عن تحول تصوير الأعمال إلى
العراق بخلاف الأعوام السابقة
التي شهدت أعمال مصورة بالخارج افتقدت للأجواء العراقية".
المسلسلات الدينية تحوي أبعادا
سياسية والعراقية أساءت للذائقة
وأكد المخرج المسرحي جبار محيبس ان "بعض المسلسلات الدينية بدأت
بمعالجة جيدة لقضايا إسلامية إلا أنها انحرفت في وسط الإحداث حيث تم التركيز على شخصيات
دون أخرى بالتزامن مع الفترة العصيبة التي تشهدها المنطقة"، لافتا إلى أن
"عددا من الدول تتبنى إنتاج هذه مسلسلات لتتم معالجتها بشكل منحرف عن الحقائق
التاريخية".
واعتبر محيبس في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "اغلب المسلسلات
المحلية التي قدمت خلال شهر رمضان أساءت إلى الذائقة العامة لان فكرتها فارغة من المحتوى
الايجابي، وإبطالها أميون".
يذكر أن الدراما العربية والعراقية التي
عرضت في شهر رمضان الحالي، تضمن مواضيع مختلفة كان ابرزها ما يتعلق بشخصيات إسلامية
بارزة ومؤثرة في تاريخ الاسلام خلال العهدين الراشدي والاموي، فضلا عن تناول الوضع
خلال حكم نظام مبارك وما بعده وايضا احداث عام 1991 في العراق، فضلا عن مواضيع تتعلق
بتنظيم القاعدة.
وفيما سجلت الدراما المصرية عودة كبيرة
خلال رمضان الحالي من ناحية طرح المواضيع والإمكانيات الإنتاجية، شهدت الدراما السورية
تراجعا كبيرا بسبب أعمال العنف التي تعيشها
سوريا حاليا والتي عطلت انتاج الكثير من
اعمال العنف.
ويرى مراقبون ان الدراما العربية تحولت
إلى دراما أجندات تنفذ من قبل بعض الدول سيما وان الكثير من قصصها وسيناريوهاتها التي
تتناول أحداثا تاريخية لا تتوفر على الدقة في تناول الظروف المرتبطة بالوقائع الحقيقية
, ناهيك عن المعالجات التي تسعى للاثارة ولو على حساب المستوى الفني الرصين.