السومرية نيوز/
ديالى
"حواضن إرهابية"، صفة لازمت خمس مناطق في
محافظة ديالى، كانت حتى أواخر عام 2009 من أخطر معاقل تنظيم القاعدة، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من تطهيرها، تهمة يحاول أهالي تلك المناطق التخلص منها بشتى السبل، حتى أنها اعتبروها "مؤامرة" لتشويه السمعة تقودها أحزاب طائفية.
حي الكاطون (6 كم غربي بعقوبة)، وقرية المخيسة (25 كم شمال شرقي بعقوبة)، وقرية سنسل (35 كم شمال شرقي بعقوبة)، وتلال
حمرين (50 كم شمال شرق بعقوبة)، وحوض
العظيم (60 كم شمال بعقوبة)، مناطق كانت تمثل مصدر قلق أمني وتشكل خطراً حقيقياً على سكنتها والمارين بها خاصة خلال عامي 2006 و2007، بحسب ما يؤكد مسؤولون محليون ومصادر أمنية في ديالى.
هذه الصفة أثارت استياء أهالي تلك المناطق كونها تحولت إلى تهمة لهم من قبل البعض، وهو ما دفعهم إلى محاولة التبرء منها والتأكيد على أن مناطقهم أصبحت الآن سكنية وليست ساحة للعنف والقتل بحسب ما أكدوا لـ"
السومرية نيوز".
"لسنا إرهابيون"
ويقول محمد المجمعي (34 عاماً)، من سكنة حي الكاطون، "أسكن هذا الحي منذ نعومة أضفاري وهو يضم أكثر من ألف منزل سكني، فهل يعقل أن الجميع إرهابيون وقتلة ومجرمون".
ويضيف المجمعي، وهو موظف حكومي متزوج ولديه طفلان، "حي الكاطون كان بالفعل وكراً لتنظيم القاعدة قبل سنين معدودة، لكن ذلك لم يكن برضانا بل رغما عنا، فالتنظيم كان في ذروة قوتها في حينها وكل من يقف بوجهه يعدم على الفور، لذا لم يكن لنا حول ولا قوة سوى الصمت إزاء ما يحدث من جرائم بشعة ندينها ونسنتكرها بشدة".
ويعبر المجمعي عن امتعاضه من "بعض ساسة ومسوؤلي ديالى الذين يسعون عبر وسائل الإعلام إلى تشويه سمعة حي الكاطون من خلال الإشارة إلى أنه مصدر إرهاب دائم ويحتضن التكفيرين والقتلة ويوفر لهم الدعم والمأوى"، مؤكداً "وهذا غير حقيقي بالمرة".
ويلفت إلى أن سمعة الحي "باتت معروفة على نطاق
العراق بأنها إرهابية داعمة للتكفيرين لذا يلتزم أبناء الحي بعدم البوح بأنه من أهالي الكاطون عند السفر إلى اي منطقة في العراق، خشية أن يقعوا في متاهات أمنية"، بحسب تعبيره.
اسماً "إرهابياً" لامعاً
أما المزارع باسم الحيالي (40 عاماً)، من أهالي قرية المخيسة، فقد أقر بوجود نشاط لتنظيم القاعدة في قريته أبان فترة الاضطرابات الأمنية بين عامي 2006-2007، "لكنه انتهى بدخول القوات الأمنية وتطهير القرية بشكل تام".
ويقول "أصبحت قريتي اسماً لامعاً في عالم الإرهاب بسبب سياسية تشويه السمعة التي تقودها أحزاب سياسية طائفية ضد أبناء القرية لأسباب معروفة"، مضيفاً "أي شخص يقتل أو يصاب بعملية مسلحة في ديالى تتجه أصابع الاتهام إلى أبناء قرية المخيسة وكأننا عفاريت الشر في المحافظة".
ويتابع الحيالي، الذي فقد أربعة من أقاربه على يد "ميليشيات متنفذة" على مدار الأعوام الثلاثة الماضية "أصبحنا ضحية تهمة الإرهاب ودعم القاعدة، وخطر الميليشيات التي تحاصرنا من جهات عدة"، مؤكداً أن "أهالي القرية ضد الإرهاب بعناوينه كافة، لكنها رغم ذلك تتعرض لظلم وإجحاف وتشويه سمعة لم ينتهي منذ سنوات عدة".
الفقر والجهل حاضنة القاعدة
خليل
العبيدي (50 عاماً)، معلم في مدرسة ابتدائية في حوض العظيم، متزوج ولديه 6 أبناء، لا ينفي اتخاذ تنظيم القاعدة والجماعات "الإرهابية" من مناطقهم حواضن لها، غير أنه يشدد على أن الأهالي "لسوا داعمين لها، والأجهزة الأمنية تعلم مدى التضحيات التي قدمناها من أجل ان تظل مناطقنا خالية من الجماعات
المتطرفة".
ويلفت العبيدي الذي فقد 7 من أبناء عمومته على يد القاعدة، إلى أن "أغلب مناطقنا تعاني الفقر المدقع والجهل، إضافة إلى انعدام حقيقي للدعم الحكومي، ما وفر أجواء استغلها تنظيم القاعدة لتجنيد مقاتلين جدد في صفوفه وهذا مايحدث بصراحة دون أي تزييف للحقائق".
إلا أن يبدي انزعاجه من وصف منطقته "دوماً من قبل بعض ساسة ديالى بأنها مصدر الإرهاب الأكبر في المحافظة، لكنهم لم يناقشوا يوما أسباب بروز الإرهاب أو عوامل بقائه رغم تكرار مسلسل العمليات العسكرية التي للأسف زجت بالأبرياء وراء القضبان بسبب المخبر
السري والدعاوى الكيدية".
قلعة القاعدة
بكر عمر الكروي، من أهالي منطقة تلال حمرين، يقول إن مجرد ذكر اسم منطقته في أي مكان "يعني فورا قلعة القاعدة، وإن جميع أبناؤها إرهابيون وقتلة، هذا ما دأب بعض مسوؤلي ديالى على تكريسه عبر وسائل الإعلام في مسعى خبيث وعدواني لتشويه السمعة".
الكروي وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، يشير إلى أن أبناء العشائر في تلال حمرين "قدموا أكثر من 300 قتيل وضعف هذا العدد من الجرحى في مواجهات مع القاعدة منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا في سبيل اقتلاع آفة سرطانية فتاكة تخرب أي مكان تنمو فيه".
ويطالب الكروي "
الحكومة المركزية بدعم حقيقي للمناطق التي يطلق عليها معاقل القاعدة، رغم رفضنا لهذه التسمية لكن ما باليد حيلة، فهذا المصطلح بات معروفا"، مضيفاً "هدفنا الأساس الآن هو محاربة الإرهاب والخلاص منه بشكل نهائي لأننا أشد المتضررين من وجوده".
وحوش بشرية
مهند إسماعيل الجبوري (30 عاماً)، من أهالي قرية سنسل، يشير إلى أن بعض أقاربه في العاصمة
بغداد عزفوا عن زيارته منذ سنين عدة بسبب مخاوفهم من منطقته "التي تصنف على أنها أحد أبرز معاقل القاعدة في ديالى، وفيها وحوش بشرية تقطع الروؤس".
ويقول الجبوري، وهو يحمل شهادة جامعية لكنه عاطل عن العمل منذ سنوات، "القاعدة انتهت في قريتنا منذ سنوات عدة، لكن عند حدوث أي طارئ أمني يجري تضخيمه وإضافة بعض المغاطات من قبل عناوين حكومية لتشويه سمعة القرية بشكل
مقصود وواضح، عبر وسائل الإعلام".
ويرى الجبوري أن "القاعدة تنظيم لا ينتمي إلى مذهب أو قومية، بل هو فكر متطرف له إيديولوجيا تسيء للإسلام وهذه حقيقة معروفة للعراقيين، لذا فإن الحديث عن اننا نقدم الدعم للقاعدة كذبة نيسان يراد ترسيخها في أذهان العراقيين لكي يبقى الظلم والإجحاف مستمر لحقوقنا".
الخلايا النائمة والقلق الأمني
رئيس
اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى مثنى
التميمي، يقول إن "مناطق الكاطون وحوض العظيم وتلال حمرين والمخيسة وسنسل، لا تزال تمثل مصدر قلق أمني لوجود خلايا مسلحة نائمة تنشط عند توفر الأجواء المناسبة لتنفيذ أعمالها المسلحة".
ويستدرك التميمي "وجود إرهاب في تلك المناطق لا يعني أن جميع سكانها متورطين بدعم القاعدة، لكن البعض منهم مؤمن بفكر القاعدة والتكفير ولدينا أدلة وبراهين كثيرة على ذلك".
إلا أنه نفى أن تكون هناك سياسة مقصودة لتشويه سمعة المناطق السكنية في ديالى عبر التحذير من وجود الجماعات المسلحة فيها، مشيراً إلى أن "الحديث عن وجود القاعدة في منطقة معينة لا يعني توجيه التهمة للأهالي بل هو تأكيد حقيقة موجودة ومعروفة للقاصي والداني نعمل على تجاوزها لتأمين الأمن والاستقرار".