وأكد بارزاني، خلال كلمة افتتاحية في الاجتماع الرابع لمنتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط، الذي تستضيفه الجامعة الأمريكية في كردستان بمدينة دهوك، على أهمية العمل من أجل إيجاد حلول سلمية للنزاعات في المنطقة، مبينا أن القرارات الأحادية وتفرد
مجموعة واحدة بالمؤسسات الحكومية سيفاقم الفساد والظلم والفقر والتمرد.
وفيما يلي نص الكلمة:
..
حضرات القادة، والباحثين، والضيوف الكرام،
صباح الخير..
يطيب لي أن أرحب بكم جميعاً أحرّ ترحيب هنا في الاجتماع الرابع لمنتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط، الذي تستضيفه الجامعة الأمريكية في كردستان.
مرة أخرى، ينضم إلينا هنا جمع مميز من الباحثين ورواد الأعمال وصناع القرار، وجميعهم يتمتعون بإلمام واسع عن منطقتنا، وبالتزام مشترك في التغلب على تحدياتها المتعددة. فالتجارب التي نواجهها، أمماً وشعوباً لا تزال عميقة. وكل فرد منكم هنا اليوم، كان قد قضى بعض الوقت خلال العام الماضي، وهو يواجه العديد القضايا التي سنتناولها في الأيام المقبلة. وأدركُ أنكم، كما أنا، تتمنون أن تكون الإجابات أحياناً أسهل مما هي عليه الآن.
إن الأجندة الذي وضعها منظمو المؤتمر تتناول، من دون تردد، مجموعةً واسعةً من القضايا التي نواجهها جميعاً. فالتغيّر المناخي، والهجرة الجماعية، والتطرف ودوافعه، والاستدامة وأنظمة الحكم، كلها موضوعات مطروحة للنقاش. وأتوقع أن بعض النقاشات هنا ستسهم في عملية صنع القرار وخيارات السياسة. وإن هذا التحدي في تجمع كهذا، يكمن في كيفية تحويل الثقل الفكري المطروح هنا إلى نتائج فاعلة.
يسعدني أن أرى المشاركة الإقليمية في هذا المؤتمر. إلى أصدقائنا الذين قدِموا من الدول المجاورة ومن أماكن أبعد، أرحب بكم وأتطلع إلى توثيق علاقاتنا. إن حضوركم هنا يؤكد التزامكم بالحوار سبيلاً للتفاهم. وسواء كان ذلك على المستوى المحلي أو العالمي، لن يكون هناك أبداً بديل للجلوس إلى طاولة الحوار وبحث الحلول لتلك التحديات. علينا أن نواصل اللقاءات والمناقشات.
أيها الأصدقاء..
ينبغي علينا أن نكون على استعداد للاعتراف بأن بعض القضايا التي سنناقشها هنا، تمثل قضايا وجودية بالنسبة لنا جميعاً. فالاحترار المتسارع للأرض ستنتج عنه تأثيرات شديدة على الجزء الذي نعيش فيه من العالم، مما سيؤدي إلى تفاقم انعدام
الأمن الغذائي، وشح المياه، والهجرة الجماعية. هذه ليست مشكلة يمكن تجاهلها، بل هي تحدث الآن. موجات الحر باتت تتكرر باطراد، وتتكرر الفيضانات في مناطقنا بازدياد، فيما نضطر إلى حفر آبار أعمق في سبيل العثور على المياه. المؤشرات الأخيرة تظهر أن التنبؤات بارتفاع درجات الحرارة في الشرق الأوسط، والتي صدرت مؤخراً، ستكون أقل من الواقع بكثير. نحن بحاجة إلى بذل جهد أكبر لإدارة انبعاثات الكربون. لدينا كل الأسباب للتحرك، ولا يوجد ما يمنع ذلك.
الآن ليس هو الوقت الملائم للتنصل من المسؤولية أو تمني تنحية مشاكلنا. يجب علينا أن نعمل من أجل الصالح العام، كمواطنين في المقام الأول، لكن مع إضافة بُعد عالمي. فالبقاء متشبثين بشعور ضيق إزاء من نحن، يجعلنا غير مهيأين للتعامل مع التحديات المشتركة التي تواجهنا كافة. لن تكون كوردستان بمنأى عن تبعات ارتفاع درجات الحرارة في الكويت. وارتباط البحرين والبصرة لا يقتصر على البحر فقط، إنما بمصير مناخي مشترك.
إن إنسانيتنا المشتركة تتطلب منا مواجهة ارتفاع درجات حرارة الأرض، كما هو الحال مع مشاهد الحرب والحرمان التي شهدناها منذ عقود، وما زلنا نشهدها الآن.
لا يمكننا مطلقاً أن نسمح بالاعتياد على مثل هذه المشاهد، كلنا رأينا مقاطع مصورة تفطر القلوب تظهر المدنيين الأبرياء والأطفال والمسنين ضحايا لحرب مدمرة أخرى. يجب أن تكون هذه المشاهد بمثابة نداء للاستفاقة. العنف الذي نراه على هذا النطاق ليس حلاً على الإطلاق، ولن يحقق السلام، بل سيخلق دوامة لا نهاية لها من الدمار والكوارث.
ينبغي ألّا نكتفي بإدانة الحروب والعنف، بل علينا أن نعمل من أجل إيجاد حلول سلمية للنزاعات والمشاكل العالقة قبل أن تتطور إلى مواجهات عسكرية. يجب علينا ألّا ننتظر ونترك المشاكل تتفاقم بينما بوسعنا حلها، قبل أن نفقد السيطرة على ذلك. يجب أن نتقبل اختلافات بعضنا البعض، وأن نتعلم العيش معاً باحترام، وعدم البحث عن حجج لرفض الآخر.
إن تجدد العنف في الشرق الأوسط روعنا جميعاً. لكن تفسير الصراعات المستمرة منذ عقود يمثل أيضاً مشكلة. على سبيل المثال، على مدى 30 عاماً، كان يُنظر إلى دعوة حل الدولتين للفلسطينيين والإسرائيليين على أنها نموذج عادل ومُلح. الكورد طالبوا بنفس الحقوق والكرامة، ومع ذلك فقد جرى التخلي عن قضيتنا في أغلب الأحيان. كيف يمكن التوفيق بين الدعم القوي لقضية عادلة والتزام الصمت المطبق تجاه قضية أخرى؟ لقد آن الأوان لاتخاذ ما هو أفضل. المشاكل المستعصية تتطلب إجابات جريئة.
وبينما يبحث العالم عن سُبل لتحويل الأزمة الفلسطينية إلى حل طال انتظاره، أحثُ على اعتماد نهج جديد لكيفية تعايشنا، نحن الكوردستانيين، مع جيراننا.
إن المستجدات الأخيرة في
العراق مثيرة للقلق أيضاً. الانتهاكات المتكررة للدستور العراقي، وعدم الالتزام بالاتفاق الذي تمخضت عنه الحكومة الحالية، ينذران بزعزعة الاستقرار، وعودة ظهور الطائفية والانقسامات بين المكونات الرئيسية.
إذا ما تواصل فرض القرارات الأحادية، واستمرت
مجموعة واحدة في إحكام سيطرتها على المؤسسات الحكومية، فإن الشعور بالظلم ستتعاظم. نواتج هذه العوامل؛ الفساد الظلم والفقر ستثبت أنها مكونات خصبة للعودة إلى عدم الاستقرار. فالتمرد يتغذى على مثل هذه الظروف.
لقد مضى وقت طويل دون اعتماد نهج شامل لحوكمة
العراق ومعالجة القضايا غير المحسومة في المنطقة.
أيها الأصدقاء، أثناء وجودكم بيننا، أشجعكم على احتضان ما نقدمه نحن الكردستانيين. ومن خلالكم أوجه دعوة للعالم ليشهد الخطوات التي قطعناها اقتصادياً، والمكونات التي تتعايش معنا بسلام. لدينا الكثير لنعرضه عليكم، وندعوكم للمشاركة.
وإذ نبدأ هذا المنتدى، أحثكم على الاستفادة من الحكمة الجماعية داخل هذه القاعة. فلتكن مناقشاتنا حافزاً للأفكار المبتكرة والحلول العملية.
مرة أخرى، أرحب بكم أجمل ترحيب في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط.
شكراً لكم