وفي مقابلة حصرية مع مجلة “نيوزويك” الأميركية، قال
السوداني إن حكومته “تسعى لتحويل
العراق من مصدرٍ للاضطراب إلى مركزٍ إقليمي للتجارة والابتكار والاستقرار”، موضحاً أن هذا التحول يجري وفق رؤية وطنية شاملة بعنوان “رؤية العراق 2050”، تقوم على ستة محاور أساسية تشمل التحول الرقمي، والحوكمة المستدامة، والاقتصاد المرن، وتمكين الشباب، وتحقيق السيادة، والتموضع الجيوسياسي المتوازن.
وأشار السوداني إلى أن مبدأ “العراق أولاً” يمثل جوهر هذه الرؤية، مؤكداً أنه يتقاطع مع فلسفة الرئيس الأميركي
دونالد ترامب في شعار “أميركا أولاً”، وقال: “القاسم المشترك بيننا هو إعطاء الأولوية للشعب والوطن، فكما يضع
ترامب مصلحة بلاده أولاً، نحن نضع العراق أولاً في الأمن والاستقرار والتنمية والخدمات”.
وأضاف أن حكومته نجحت في تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد الأمن والخدمات والإصلاح الاقتصادي، مستشهداً بتنفيذ أول تعداد سكاني شامل منذ 37 عاماً وبإشراف
الأمم المتحدة، إضافة إلى تنظيم الانتخابات المحلية في جميع المحافظات بما فيها
كركوك بعد توقف دام نحو عقدين.
وأوضح السوداني أن هذه الخطوات عززت ثقة المواطنين بالحكومة وبالعملية الانتخابية، مشيراً إلى أن أكثر من خمسة ملايين ناخب جديد سجلوا أسماءهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، واصفاً هذا الرقم بأنه “غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث”.
وفي ما يتعلق بالوضع الإقليمي، أكد
رئيس الوزراء أن العراق انتهج سياسة “الحياد الإيجابي” تجاه الأزمات التي عصفت بالمنطقة، مضيفاً: “لم نكن طرفاً في أي صراع، بل عامل توازن يسعى لترسيخ الاستقرار”. وأوضح أن
بغداد تمكنت من تجنب السيناريوهات المأساوية التي شهدتها دول مثل
لبنان وسوريا واليمن، رغم اشتداد النزاعات والحروب في الشرق الأوسط.
وفي رده على سؤال حول تعامل حكومته مع الفصائل المسلحة، شدد السوداني على أن سيادة القانون واحتكار السلاح بيد الدولة يمثلان مبدأً ثابتاً، قائلاً: “تعاملنا بحزم مع الانتهاكات، وهناك تحول ملموس في توجه الفصائل نحو العمل السياسي، وهذا بحد ذاته إنجاز يعزز دولة المؤسسات”.
أما بشأن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة ضد العراق، فقد أكد السوداني أن بلاده واجهتها “بموقف رسمي رافض وواضح”، مشيراً إلى أن تلك التهديدات كانت جزءاً من سياسة توسيع رقعة الحرب في المنطقة. وأضاف: “لن نسمح باستخدام الأراضي العراقية للاعتداء على أي طرف، وقرار الحرب والسلم هو قرار الدولة حصراً”.
وكشف رئيس الوزراء عن دور دبلوماسي نشط للعراق خلال الحرب على غزة، موضحاً أن حكومته شاركت في مؤتمر شرم الشيخ دعماً لخطة الرئيس ترامب لوقف القتال، كما عملت على تهيئة أرضية للحوار بين
واشنطن وطهران على أساس احترام السيادة ورفض العقوبات والتهديدات.
وفي ما يتعلق بالعلاقات الخارجية، قال السوداني إن العراق هو الدولة الوحيدة التي تحافظ على توازن العلاقات مع كل من
الولايات المتحدة وإيران، مضيفاً: “
إيران دولة جارة دعمتنا في الحرب ضد داعش، ونحافظ على علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، وفي الوقت نفسه لدينا شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة في مجالات متعددة”.
وأشار إلى أن حكومته ترى في
إدارة الرئيس ترامب “فرصة حقيقية لبناء علاقة نموذجية قائمة على المصالح المشتركة والتنمية الاقتصادية”، مؤكداً أن العراق منفتح على الاستثمارات الأميركية، وأن “الأبواب مفتوحة أمام الشركات الأميركية للمساهمة في مشاريع الإعمار والطاقة والبنى التحتية”.
وعن رؤيته لمستقبل العراق، قال السوداني إن بلاده تمتلك كل مقومات النهوض من موارد بشرية وطبيعية ومالية، مضيفاً: “نريد أن نجعل العراق مركزاً اقتصادياً مزدهراً وقوة توازن في المنطقة، تستند إلى العلم والتكنولوجيا وريادة الشباب”.
وأوضح أن مشروع “رؤية العراق 2050” يتضمن برامج للتحول الرقمي، والحكومة الذكية، والأمن السيبراني، وتمكين الطاقات الوطنية عبر رواد الأعمال، وتحقيق المواطنة الإنتاجية، مؤكداً أن الحكومة بدأت فعلياً تنفيذ هذه الرؤية بالتعاون مع
وزارة التخطيط وشركات دولية مثل KBR.
ولفت إلى أن هذه الجهود تستهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، معتبراً أن “الاقتصاد الريعي كان خطأً دام لعقود ويجب تجاوزه عبر بناء نموذج اقتصادي مرن ومبتكر”.
وفي سياق حديثه عن إنجازات الحكومة، أكد السوداني أن العراق يشهد اليوم أعلى درجات الاستقرار منذ ستينيات القرن الماضي، نقلاً عن وصف السفير البريطاني السابق في بغداد، مضيفاً أن العاصمة تشهد “حياة ليلية طبيعية وحركة سياحية متنامية، وارتفاعاً في إيرادات السياحة بنسبة 40%”.
وأشار إلى أن
الموصل، التي كانت يوماً معقلاً لتنظيم داعش، أصبحت اليوم تستقبل السياح من أوروبا وروسيا، وأن الحكومة تعمل على إنشاء وزارة خاصة للسياحة لدعم هذا القطاع الحيوي وتنشيط الترويج الخارجي لصورة العراق الجديدة.
وفي ختام المقابلة، شدد رئيس الوزراء على أن المنصب بالنسبة له ليس مكسباً شخصياً بل أمانة ومسؤولية وطنية، مضيفاً: “الثقة التي يمنحها الشعب عبر الانتخابات هي أمانة غالية يجب أن نقابلها بالصدق والعمل، لا بالوعود”.
وأكد أن التحدي الأكبر أمام حكومته هو مواجهة حملات التشكيك والعرقلة من بعض الأطراف السياسية، قائلاً: “هناك من أزعجتهم نجاحاتنا لأنها كشفت إخفاقاتهم السابقة، لكننا نرد عليهم بالإنجازات لا بالكلمات. فكلما أنجزنا أكثر، ازداد غضب خصومنا، وهذه أفضل شهادة على أننا نسير في الطريق الصحيح”.