ومع استمرار الحوارات داخل الإطار التنسيقي وتحالف السيادة وبقية المكونات، تتبلور ملامح منهج جديد يقوم على تعزيز الكفاءة واحترام ثوابت الدولة، في حين تتجه القوى المختلفة إلى وضع معايير أوضح لاختيار المرشحين للمناصب التنفيذية، سواء في رئاسة الحكومة أو توزيع الحقائب الوزارية، لضمان تشكيل فريق قادر على إدارة المرحلة المقبلة داخلياً وخارجياً.
ووسط تلك الصورة، واصلت القيادات السياسية لقاءاتها الهادفة إلى حسم المشهد السياسي، والخروج بتوافقات ترضي جميع الأطراف.
حيث بحث رئيس الجمهورية الدكتور
عبد اللطيف جمال رشيد، أمس الثلاثاء مع رئيس ائتلاف دولة القانون،
نوري المالكي، مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية، إلى جانب بحث المسارات الجارية للحوار بين الكتل والقوى الوطنية لبلورة رؤية مشتركة تفضي إلى حسم الاستحقاقات الدستورية وفق المُدد الزمنية المقررة لها.
الإعمار والتنمية
كما عقد ائتلاف الإعمار والتنمية اجتماعه الاعتيادي برئاسة
رئيس التحالف،
محمد شياع السوداني وبحضور جميع أعضائه. ووفقاً لبيان، فقد ناقش المجتمعون التطورات السياسية والأمنية، وما تشهده الساحة السياسية من حوارات بين مختلف القوى السياسية.
وأكد ائتلاف الإعمار والتنمية، وفقاً للبيان، على الالتزام بالتوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة القادمة، وعلى أهمية البرنامج السياسي والاقتصادي والأمني، القادر على التعامل مع التحديات الكبيرة التي تواجه العراق، بما يتناسب مع تطلعات شعبنا بالإعمار والتنمية والازدهار.
كما أكد ائتلاف الإعمار، تمسكه بمرشحه لرئاسة
مجلس الوزراء، محمد
شياع السوداني، وذلك بناءً على التجربة الناجحة له في رئاسة السلطة التنفيذية من جهة، وأنّ الائتلاف يمثل الكتلة الأكبر داخل الإطار التنسيقي، ويمثل الكتلة الأكثر عدداً برلمانياً من جهة أخرى.
إلى ذلك، أكد رئيس
المجلس الأعلى الإسلامي الشيخ همام حمودي، أمس الثلاثاء، أن القوى الوطنية حريصة على بناء رؤية مشتركة لتشكيل الحكومة.
وذكر
المكتب الإعلامي للشيخ حمودي في بيان، أن "الشيخ حمودي، استقبل سفير
أستراليا لدى بغداد غلين مايلز، الذي قدم التهاني بنجاح الانتخابات والمشاركة الواسعة، وبحثا مستجدات الساحة العراقية، والتحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها البلد".
أوضح حمودي أن "حالة الاستقرار ونضج الوعي الديمقراطي كفلا مناخاً مشجعاً للعراقيين للمشاركة الانتخابية"، مؤكداً حرص القوى الوطنية على "الحوار وبناء رؤية مشتركة لإدامة الاستقرار بتشكيل حكومة غير جدلية، داخلياً وخارجياً، وقوية بمستوى التحديات الأمنية والاقتصادية والخدمية التي يواجهها البلد".
ونوه إلى "سعي الجميع إلى تمثيل الإرادة الوطنية العراقية الحرة بعيداً عن أي تدخلات خارجية".
نقاط اختيار المرشحين
من ناحيته، ذكر عضو
المكتب السياسي والناطق الرسمي للمجلس الأعلى الدكتور
علي الدفاعي في أن "هناك نقاطاً جوهرية تحكم اختيار المرشح للمسؤولية المقبلة، أبرزها الرؤية التي يقدمها لمعالجة التحديات، وقدرته على تشخيص حلول واقعية وعلمية وقابلة للتنفيذ".
وأوضح الدفاعي، أن "من بين المعايير الأساسية أيضاً قدرة المرشح على تقديم فريق مكتبه الخاص من المهنيين والخبراء الحقيقيين، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة ويعزز كفاءة العمل التنفيذي".
وأكد الدفاعي، أن "التزام المرشح بالبرنامج الحكومي يمثل ركناً أساسياً سيعمل الإطار التنسيقي، بصفته الكتلة النيابية الأكبر، على متابعته ودعمه وتعزيز مؤشرات النجاح، مشدداً على أن الإطار لن يترك الحكومة وحدها، بل سيكون مسانداً لها لضمان استمرار أداء مسؤول ومرتبط بثوابت الدولة".
استمرار الحوارات
إلى ذلك، أكد المتحدث الرسمي باسم تحالف السيادة،
محمد عباس الطائي، أن "الحوارات ما تزال مستمرة داخل المجلس السياسي الوطني، وأن الجهود تتواصل من أجل توحيد الصف والخروج بمرشح واحد لرئاسة
مجلس النواب العراقي".
وأوضح الطائي، أن "تحالف السيادة بانتظار المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات، كونها ستمنح زخماً أكبر لمسار الحوارات والمفاوضات بين القوى السياسية".
وأضاف الطائي "إننا نتابع باهتمام ما ستعلنه قوى الإطار التنسيقي بشأن مرشحهم لمنصب
رئيس الوزراء، فضلاً عن رؤيتهم في التعامل مع التحديات الوطنية والإقليمية والدولية الراهنة، وانعكاسات تلك الرؤية على اختيار المرشحين وإدارة المرحلة المقبلة".
التجارب الحكومية المتعاقبة
وفي سياق آليات توزيع المناصب خلال الحكومة المقبلة، يرى المحلل السياسي الدكتور طالب محمد كريم أن "العراق بات يمتلك ما يشبه الدستور غير المكتوب في هذا المجال، تشكل عبر التجارب الحكومية المتعاقبة، وأن هذه الآليات ليست منصوصاً عليها في القوانين، لكنها تعمل بقوة الواقع السياسي.
وأكد أن "توزيع الحقائب يستند إلى 3 اعتبارات رئيسة توازن المكوّنات، وحجم الكتل داخل البرلمان، وقدرة كل كتلة على تقديم شخصية مقبولة ومطمئنة للشركاء، مبيناً أن "الحكومة تتحول ضمن هذه المعادلة إلى عملية هندسة سياسية دقيقة تراعي حساسيات الداخل وتقاطعات الخارج، مشيراً إلى أن "مسار توزيع المناصب لا يُحسم داخل اجتماع واحد، بل عبر شبكة تفاهمات تمتد من الحوارات الحزبية إلى الاتصالات الإقليمية والدولية وصولاً إلى لحظة إعلان الكابينة".
وأما في ما يتعلق بالآليات المتوقعة لمنح الحقائب، أوضح الدكتور كريم، أن "الأسلوب لن يختلف كثيراً عن الحكومات السابقة، لكنه سيجري ضمن بيئة سياسية أكثر تعقيداً، إذ تبدأ المفاوضات من داخل المعسكر الأكبر لتحديد الوزارات ذات الثقل السياسي والخدماتي، ثم تُفتح قنوات الحوار مع القوى الكردية والسنية لاستكمال التوازنات".
وأضاف أن "رئيس الوزراء المقبل سيكون أمام اختبار مزدوج، يتمثل في إرضاء القوى المتشاركة في الحكم، وتقديم أسماء قادرة على تحمل ضغط المرحلة".
أما بشأن الوزارات السيادية، فرجح الدكتور كريم "بقاء الخريطة العامة لتوزيعها على حالها، ليس لغياب الرغبة في التغيير، بل لارتباطها بشبكة مصالح داخلية وخارجية يصعب تجاوزها، لافتاً إلى أن "بقاء الوزارات في يد الكتل ذاتها لا يعني بقاء الشخصيات نفسها، إذ قد يشمل التغيير الأسماء أكثر من المواقع، خصوصاً مع دخول ملف العقوبات والضغوط الدولية على خط تحديد المرشحين للحقائب الحساسة".
وأوضح أن "الخريطة ستبقى تقريباً كما هي، لكن الشخوص قد تتغير وفق حاجة المرحلة ورغبة رئيس الوزراء المقبل في تشكيل فريق قادر على الاستمرار".
الاستحقاق الانتخابي
من جانبه قال المحلل السياسي، عائد الهلالي إن آليات توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة المرتقبة باتت محور اهتمام واسع في الأوساط السياسية والشعبية، لا سيما مع تنامي الحديث عن اعتماد مناهج جديدة تستند إلى مبدأ الاستحقاق الانتخابي المقترن بالكفاءة.
وأوضح الهلالي، أن "القوى الأساسية تعمل حالياً على بلورة معايير أكثر وضوحاً تهدف إلى الحدِّ من المحاصصة التقليدية وتعزيز حضور الشخصيات المهنية القادرة على تنفيذ برنامج الحكومة المقبلة، الأمر الذي يجعل فهم الإجراءات المتوقعة والخيارات المطروحة أمام صُنّاع القرار ذا أهمية بالغة.
وأضاف الهلالي أن "المؤشرات الراهنة تعكس توجهاً نحو مسار أكثر انضباطاً مقارنة بالتجارب السابقة، من خلال اعتماد منهج يقوم على مبدأ الاستحقاق الانتخابي الموزون بالكفاءة، مشيراً إلى أن "الكتل الأساسية داخل الإطار التنسيقي والقوى المتحالفة معه تعمل على تثبيت معايير واضحة، تشمل وزن الكتلة داخل البرلمان، وطبيعة التمثيل الجغرافي، وخبرة المرشح، ومدى مواءمته لبرنامج الحكومة الذي يرتكز على الإصلاح الإداري وتحصين مؤسسات الدولة من المحاصصة المطلقة، موضحاً أن هذه الآليات لا تلغي التوافق بالكامل لكنها تسهم في الحدِّ من التشتُّت وتُخضع عملية الترشيح لورقة معايير تُلزم بها جميع الأطراف".