ينظر العراقيون وأهالي مدينة
البصرة خاصة إلى المشروع لإنشاء ميناء كويتي بالقرب من المياه العراقية بعين من القلق والريبة، فالمشروع الذي أعلنت عنه
الكويت أول نيسان المنصرم لم يمثل كذبة نيسان بالنسبة للعراقيين، إذ سرعان من أطلقت التحذيرات من تأثير هذا المشروع على حلم
العراق عبر إنشاء ما بات يعرف بميناء الفاو الكبير الذي يؤمل لن يكون بوابة شرق آسيا على أوروبا وبلاد البحر المتوسط.
أزمة مائية جديدة قد تضاف إلى أزمة الحدود البرية التي يعاني البلدان بسببها من مشاكل مستمرة منذ العام 1990 فخبراء البحار يرون في مشروع (ميناء مبارك) التي قررت الكويت بناؤه في جزيرة (بوبيان) غير الآهلة "استفزازا" للعراق الذي يحاول جاهدا تطبيع علاقاته مع الكويت التي عرقلت إلى حد ما خروجه من طائلة العقوبات الدولية بموجب الفصل السابع، وخطوة "مقصودة" من الكويت لتقويض الاقتصاد العراقي وجعل ميناء الفاو الكبير غير ذي جدوى، إضافة إلى إرباك حركة الملاحة في
الخليج.
تحذيرات بصوت عال من المشروع "الاستفزازي"
ويقول الخبير الملاحي الكابتن البحري كاظم فنجان إن "الكويت ليست بحاجة من ناحية اقتصادية إلى تحويل أكبر جزرها إلى ميناء لامتلاكها موانئ تجارية كبيرة أبرزها الشويخ، والشعيبة، والجليعة، والأحمدي، لكنها قررت تنفيذ المشروع بدافع إلحاق الأذى بالعراق".
ويوضح فنجان في حديث لـ"
السومرية نيوز" أن مشروع ميناء (مبارك الكبير) المقرر إنشاؤه في جزيرة بوبيان
الكويتية غير الآهلة بالسكان لا يبعد سوى نحو كم واحد عن قضاء الفاو (100 كم جنوب محافظة البصرة) حيث سيبني العراق أكبر موانئه، معتبرا أن الخطوة إنما "استفزاز للعراق".
ويعتقد فنجان الذي كان يعمل معاوناً لمدير عام
الشركة العامة لموانئ العراق أن "المشروع
الكويتي يهدف إلى إفشال مشروع ميناء الفاو الكبير، وحرمان العراق من أي إطلالة له على البحار والمحيطات، لأن
الميناء الجديد سوف يقطع الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى مينائي
أم قصر وخور
الزبير".
ويلفت فنجان إلى وجود أعمال بدأتها الكويت على جزيرة بوبيان التي تقع في الجهة المقابلة لموقع ميناء الفاو الكبير، ويبين أن "آليات ومعدات إنشائية ثقيلة تستخدم في دق الركائز، وإنشاء الطرق والسداد الترابية، وتشييد المنشآت السطحية تعمل حاليا".
ويشير الخبير الملاحي إلى أن "العراق فقد مساحات واسعة من مياهه الإقليمية، وانكمشت حدوده البحرية، بسبب التنازلات السخية للحكومات المتعاقبة"، ويقارن بأن "سواحل البلد تقلصت إلى 57 كم، فيما باتت تمتد السواحل الكويتية إلى نحو 500 كم، بعد أن كان
الخليج العربي يطلق عليه اسم خليج البصرة
العظيم لغاية العام 1916".
ويحذر الخبير البحري العراقي من أن "الميناء الكويتي سوف يلحق الضرر الأكيد بمساحة الجرف
القاري العراقي الذي لم يتم تحديده أو الاتفاق عليه"، وداعيا الحكومة والقوى السياسية العراقية إلى "الوقوف بحزم ضد المشروع الكويتي".
(مبارك الكبير) يجعل الكويت مركزاً تجارياً عالمياً
وبالنسبة للكويت فإن مشروع ميناء مبارك، الذي أعلنت عن البدء بإنشائه في السادس من نيسان 2011 بعد سنة تماما من إعلان العراق نيته بناء ميناء الفاو الكبير، هو "مشروع استراتيجي وطني"، إذ يلفت نائب رئيس
مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التنمية الكويتي أحمد الفهد أن الشروع الذي تعاقدت على إنشائه شركة هيونداي الكورية، سيكون "صديقا للبيئة"، مؤكدا أنه "ينطوي على أهداف كبيرة، ويحقق آمال وتطلعات الشعب الكويتي، والذي طالما تمنى بناء ميناء بهذا الموقع الاستراتيجي والفعال، والذي سيجعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً على المستويين الإقليمي والعالمي".
وبحسب ما أعلنت الكويت فإن المشروع سينفذ على أربع مراحل تنتهي آخرها في العام 2016، ويشمل إنشاء أرصفة للحاويات بطول كيلومتر ونصف، وعشرات المراسي، ومنطقة حرة للتبادل التجاري، ومجمع سكني متكامل، وخط للسكك الحديدية يربط بين طرفي الجزيرة، وتبلغ كلفة المرحلة الأولى من المشروع 305 ملايين دينار كويتي، وتشمل المراحل اللاحقة زيادة عدد المراسي، وتوسيع محطة خزن الحاويات لتصل طاقتها إلى مليونين و500 ألف حاوية سنوياً.
الميناء الكويتي يبدد حلم ميناء (الفاو الكبير)
ولا يخفي باحثون إستراتيجيون عراقيون تخوفهم من أن يؤثر مشروع مبارك الكبير سلبا على مشروع الفاو الكبير لا بل أن يؤده، إلا أنهم في الوقت نفسه يحملون العراق جزءا من المسؤولية عن ذلك باعتبار أنه تأخر كثيرا بتنفيذ مشروعه.
ويؤكد
مدير مركز دراسات الخليج العربي في جامعة البصرة الدكتور جاسم غالي رومي في حديث لـ"
السومرية نيوز"، أن "إنشاء ميناء كويتي في جزيرة بوبيان القريبة من سواحل قضاء الفاو، سيؤدي إلى إفشال مشروع ميناء الفاو الكبير قبل المباشرة بتنفيذه".
ويشدد رومي على أنه "لا جدوى بعد الآن من بناء الميناء مع وجود ميناء كويتي كبير بالقرب منه"، إلا أن يلفت إلى أن العراق يتحمل جزءا من ذلك على اعتبار أن "تأخره بإنشاء ميناء الفاو الكبير هو الذي شجع الكويت على تنفيذ مشروعها".
ولا يبدو ما ذهب إليه مدير مركز دراسات الخليج العربي مبالغ فيه، فالعراق الذي دأب على الحديث عن ميناء الفاو الكبير من العام 2005 استطاع في الخامس من نيسان 2010 وضع حجر الأساس للميناء، إلا انه منذ ذلك التاريخ لم تضف حبة رمل واحدة إلى ذلك الحجر الذي هو عبارة عن نصب يحمل اسم الميناء وتاريخ وضعه، ليبقى وحيدا في مساحة جرداء غير مأهولة بالسكان في ظل غياب أي دليل على وجود مشروع يجري العمل عليه فيها.
أما تصاميم الفاو الكبير على الورق فلا شك بأن
وزارة النقل العراقية حرصت على إدخال الكثير من الإثارة عليها، فهي تشير إلى احتواء الميناء على رصيف للحاويات بطول 3900 متر، ورصيف آخر بطول 2000 متر، فضلاً عن ساحة للحاويات تبلغ مساحتها أكثر من مليون م2، وساحة أخرى متعددة الأغراض بمساحة 600 ألف م2، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء 99 مليون طن سنوياً، فيما تصل الكلفة التخمينية لإنشائه إلى أربعة مليارات و400 مليون يورو.
وتشير التصاميم المثيرة لوزارة النقل إلى أن الميناء بخط للسكك الحديدية يربط الخليج العربي عبر الموانئ العراقية بشمال قارة أوروبا من خلال تركيا، وهو المشروع الذي تطلق عليه وزارة النقل اسم "القناة الجافة"، وفي ضوء ذلك يعتقد مختصون وخبراء أن الميناء "سوف يغير خارطة النقل البحري في الشرق الأوسط، ويعزز من مكانة العراق الاقتصادية".
المشروع ينذر بخلافات جديدة مع الكويت
ولا يستبعد مسؤولون محليون في البصرة من أن يتسبب بناء ميناء مبارك الكبير بخلافات جديدة بين العراق والكويت، داعين بغداد إلى تحرك دبلوماسي سريع لاحتواء الأزمة التي تلوح بالأفق.
ويقول نائب رئيس
مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "البصريين يعارضون بناء الميناء الكويتي في موقعه الحالي لأنه يضر بمصالح العراق"، يدعو الحكومة الكويتية إلى "الإسراع بالتنسيق مع نظيرتها العراقية بشأن المشروع، حتى لا تتأزم العلاقات بين البلدين".
ويشير السليطي وهو رجل دين بارز في
محافظة البصرة إلى أن "العراقيين يتمنون الخير لأشقائهم الكويتيين، لكن يجب على الحكومة الكويتية أن لا تتوسع بتحقيق طموحاتها عبر الإساءة إلى الشعب العراقي"، مشددا على أن "العراقيين يرفضون أن تسلب حقوقهم أو تصادر أراضيه".
أما مجلس أعيان البصرة الذي يضم العشرات من شيوخ العشائر وزعماء القبائل فقد سارع إلى إصدار بيان استنكر فيه المشروع.
ويبدي نائب
رئيس المجلس الشيخ محمد الزيداوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، استغرابه إزاء "عدم تحرك
الحكومة العراقية حتى الآن باتجاه إحباط محاولة الكويت تضييق الخناق على المنافذ البحرية العراقية"، مطالبا الحكومة بالإسراع "لحل المشكلة بجدية وحزم عبر الطرق الدبلوماسية".