مع اعادة فتح مقهى الشابندر الثقافي الشهير ابوابه مجددا امام المثقفين والادباء العراقيين بعد ترميمه وازالة اثار الدمار التي لحقت به جراء تفجير مروع تعرض له
شارع المتنبي قبل عامين, تبدو واضحة للعيان ارادة العراقيين في النهوض رغم حجم المآسي التي حلت بهم . ولعل خير مثال على هذه الارادة الرغبة الشديدة لصاحب مقهى الشابندرمحمد الخشالي (77 عاما) في ابقاء المقهى مركز جذب ثقافي والمحافظة على معالمه وهويته الثقافيتين منذ اكثر من ثمانين عاما , بعدما تخطى الخشالي المصاعب بل الأهوال التي واجهته بعد حادث التفجير بفقده خمسة من أبنائه دفعة واحدة . ويقول الخشالي : \"كنت اريد ان لا يتاثر المقهى بماساة ابنائي الخمسة الذين قضوا في هذا الحادث وان لا تؤثر الحادثة على مكانة المقهى وتاريخه فكظمت غيظي وصبرت ونجحت في اعادة الحياة اليه وهو يذكرني يوميا بابنائي الخمسة\".
والمعلوم ان شارع
المتنبي الذي يعود تاريخه الى اواخر العصر
العباسي, استهدف باعتداء بسيارة مفخخة في الخامس من اذار عام الفين وسبعة, ونتج عنه استشهاد ما لا يقل عن مئة شخص وتدمير اشهر مكتباته التي التهمتها النيران, فيما نال المقهى نصيبه من التدمير , معطوفاً على استشهاد خمسة من ابناء الخشالي ,عثر عليهم تحت الانقاض. هول الكارثة أصاب الأم بالصدمة ما أدى الى اصابتها بالعمى وما لبثت أن فارقت الحياة بعد اشهر عدة.
يذكر ان شارع المتنبي الذي يقع مقهى الشابندر في احد اركانه يضم عددا من المباني التاريخية منها مقر للحكومة العثمانية ويسمى بالقشلة. وتعني كلمة \" الشابندر\" الذي عرف به المقهى \"القنصلية\" باللغة العثمانية. ويعود تاريخ المقهى الى عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر وكان قبل ذلك مطبعة اسسها موسى الشابندر احد رجالات السياسة المعروفين في تلك الحقبة, وهو اضطر لاقفال المطبعة نتيجة مواقفه السياسية بعد دخول البريطانيين العاصمة
بغداد عام الف وتسعمئة وسبعة عشر.
ويقول الخشالي ان \"الموقع الجغرافي الذي يتمتع به المقهى لقربه من
مقر الحكومة انذاك, ثم وجود مجلس البرلمان في
العهد الملكي , ومقر خمس وزارات عراقية منها العدلية والمعارف، كان عاملا هاما في شهرة المقهى\". كما اكتسب المقهى مكانته الثقافية في ظل وجود عدد من المطابع المعروفة انذاك بالقرب منه مثل مطابع الحوادث، السجل، الزمان، واليقظة.
يشار الى ان بغداد اشتهرت فيها مقاهٍ ادبية وثقافية عدة بعضها عرف باسماء ادباء كمقهى
الزهاوي, ومقهى حسن عجمي, وهما في
شارع الرشيد من جهة باب المعظم ومقهى الشابندر الذي يعد الاكثر جذبا للمثقفين العراقيين الان. ومن الشخصيات السياسية والثقافية التي ترددت على المقهى حسين جميل, وكامل الجادرجي, والشاعر معروف الرصافي, والجواهري.
الكاتب والناقد العراقي
كمال لطيف سالم احد أبرز رواد المقهى قال ان \"مقهى الشابندر هو بيتنا الثقافي وبيتنا الثاني نأوي اليه لنستعيد الذكريات الجميلة والحزينة عبر اكثر من ربع قرن امضيتها في هذا المكان\".ويضيف سالم وهو جالس على احدى الارائك الخشبية التي شهرت بها المقاهي القديمة في بغداد \"بقدر ما نستذكر اياما ممتعة ناسف اليوم على غياب تلك الاسماء التي منحت المقهى شهرة ثقافية\".
أما شمس الزهاوي (70 عاما) الذي يتردد الى المقهى منذ اكثر من ثلاثين عاما فيروي قصته مع المقهى ونجاته من
الموت فيقول\"قرب بيتي من المقهى شجعني على ان اتردد يوميا الى هنا بدون انقطاع خصوصا بعد تقاعدي من العمل. ولحسن حظي كنت في اليوم الذي تعرض فيه المقهى الى التفجير في احدى دوائر التقاعد لانجاز امر ما\". ويضيف الزهاوي \"في ذلك اليوم انهالت علي المكالمات بعد ان توقع الجميع باني ذهبت ضحية التفجير لكوني اجلس هنا بشكل منتظم يوميا منذ الصباح حتى ساعات متاخرة واليوم عادت رحلتي مجددا مع المقهى باعادة اعماره وافتتاحه \".