ففي ميناء
خور الزبير بمحافظة
البصرة، تكشّفت واحدة من أعقد شبكات التهريب في المنطقة، يقودها رجل غامض يعرف في
العراق بلقب "أوميد"، بينما اسمه الحقيقي هو سالم
أحمد سعيد، رجل أعمال يحمل الجنسية البريطانية إلى جانب العراقية.
هذه الشبكة، التي وصفتها
وزارة الخزانة الأمريكية بأنها جزء من أسطول الظل الإيراني، لا تتعلق فقط بالتحايل على العقوبات، بل تكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة الحوكمة العراقية، وضلوع مسؤولين محليين وبرلمانيين في تمرير النفط الإيراني على أنه عراقي، مقابل رشاوى بملايين الدولارات.
بين لندن والبصرة: إمبراطورية مزدوجة
وولد أوميد في مدينة
رانية بإقليم
كردستان، ووصل
بريطانيا مطلع الألفية لاجئًا، قبل أن يتحول لاحقًا إلى رجل يملك فنادق في قلب لندن. لكن خلف هذه الواجهة اللامعة، تقول تقارير ذا ناشيونال وصنداي تايمز انه "كان يدير شبكة تهريب نفطي تمتد من الموانئ العراقية إلى المشترين في آسيا، عبر شركات واجهة مسجلة في الإمارات وأوروبا".
التحقيقات البريطانية أظهرت أن "فنادقا مثل ذا غينزبورو وذا إكزيبشنيست لم تكن مجرد مشاريع ضيافة، بل واجهة لتبييض أموال النفط المهرب، عبر شركات معقدة التركيب القانوني، يصعب تتبع ملكيتها".
الرصيف 41.. قلب اللعبة
ووفقا لخبراء فانه "في خور
الزبير، يمتلك أوميد عبر شركته VS Oil Terminal السيطرة على الرصيف 41، المجهز بخزانات نفطية ضخمة".
وأضافوا انه "بحسب وثائق وزارة الخزانة الأمريكية، يتم خلط النفط الإيراني مع العراقي، بعد وصول شحنات من
إيران بطرق غير رسمية".
وذكروا ان "العملية تكون عبر آليتين الأولى التفريغ المباشر حيث تصل ناقلات صغيرة من الجانب الإيراني وتفرغ شحنتها في خزانات الرصيف، والثانية نقل من سفينة الى أخرى حيث يتم إيقاف أنظمة تحديد المواقع للناقلات الإيرانية، ونقل النفط إلى سفن أخرى تحمل علمًا مختلفًا، ثم تفرغ في
الميناء العراقي وكأنها عراقية المنشأ".
شبكة الرشاوى
وبحسب الخبراء الذين تحدثوا للصحافة الغربية، "لم يكن من الممكن تمرير هذه العمليات دون تواطؤ".
واكد احدهم ان "أوميد دفع رشاوى ضخمة لمسؤولين مقابل إصدار قسائم مزورة تؤكد أن الشحنات عراقية المصدر"، لافتا الى ان "هذا الغطاء الورقي كان كافيًا لفتح أبواب الأسواق العالمية أمام النفط الإيراني، تحت لافتة النفط العراقي".
العقوبات الأمريكية
وفي 3 تموز 2025، وضعت وزارة الخزانة الأمريكية أوميد وشركاته على القائمة السوداء، وجمّدت أصوله.
ووصفت العقوبات بأنها "خطوة جزئية، لأنها تستهدف شركات بعينها دون أن تشمل الشبكة الأوسع التي يعيد أوميد تشكيلها باستمرار تحت أسماء جديدة".
اين وصلت التحقيقات؟
وأصدرت الحكومة أمرا بتشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى للتدقيق في شبهات فساد بتهريب النفط ومشتقاته، خصوصًا في الموانئ والمياه الإقليمية.
الا ان نتائج التحقيقات لم تُعرض بالكامل، حيث لا توجد حتى الآن بيانات حول ذلك أو تقرير
اللجنة الحكومية، ولا تم تحديد أسماء المتورطين أو نوع العقوبات أو الإجراءات القانونية التي ستُتخذ.
كما لا يوجد حتى الآن تأكيد ما إذا كانت ملفات التحقيق قد أُحيلت للقضاء أو أن هناك استدعاءات رسمية لأشخاص معينين بخلاف استضافة بعض المسؤولين.
وحتى الان لم تصدر أي نتائج للتحقيقات رغم تشكيل لجان في البرلمان والحكومة، ولم تتم استدعاء أي مسؤول متورط بالقضية.
واكد اقتصادي نفطي ان "استمرار تهريب النفط عبر أسطول الظل الإيراني يجعل من الصعب القضاء على هذه الشبكات بمجرد تجميد بعض الأصول أو منع بعض السفن من الرسو".
تداعيات على العراق
القضية لم تعد مرتبطة بشخص أوميد وحده، بل باتت تمثل تهديدًا استراتيجيًا للعراق حيث ان "هناك خطر من فقدان ثقة الأسواق العالمية بصفقات النفط العراقية مع احتمالية فرض عقوبات ثانوية على العراق إذا اعتُبر متواطئًا في تجاوز العقوبات على إيران".
هل يكسر البرلمان حلقة الصمت؟
وأعلنت
لجنة النزاهة النيابية فتح تحقيق في عقود أوميد، خصوصًا عقود الرصيف 41. لكن الشكوك تحيط بقدرة البرلمان على الذهاب بعيدًا، في ظل نفوذ الكتل السياسية التي قد تكون متورطة في تمرير هذه الصفقات.
المخاوف الشعبية كبيرة من أن ينتهي الملف كسابقيه في أرشيف مغلق، دون محاسبة، خصوصًا أن العراق اعتاد أن تطوى مثل هذه القضايا بمجرد خفوت الضجة الإعلامية.
النهاية المفتوحة
وقصة أوميد ليست استثناءً، بل مرآة لأزمة الحوكمة في العراق بعد 2003، حيث تلتقي المصالح السياسية، الفساد المالي، والضغوط الإقليمية في شبكة واحدة.
والرصيف 41 في خور الزبير لم يعد مجرد منشأة نفطية، بل رمزًا للكيفية التي تُختطف بها الثروات الوطنية لصالح شبكات عابرة للحدود.
ويبقى السؤال: هل ستتحول هذه القضية إلى نقطة بداية لإصلاح قطاع النفط العراقي، أم أنها ستُطوى كسجل جديد من الفساد المحمي بالصمت؟.