ومن المعروف أن النساء أكثر عرضة للإصابة ببعض أمراض المناعة الذاتية والحساسية الشديدة مقارنة بالرجال، لكن السبب وراء ذلك لم يكن واضحاً بالكامل. والآن تقدّم هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم الاختلافات البيولوجية بين الجنسَيْن في كيفية استجابة جهاز المناعة للالتهابات والأمراض.
التركيز على خلايا مناعية محددة
ركّز الباحثون، في الدراسة المنشورة بمجلة "The Journal of Immunology" في 28 أغسطس (آب) 2025، على نوع من الخلايا المناعية يُعرف باسم خلايا "Th2"، وهي خلايا تلعب دوراً مزدوجاً، فهي تحمي الجسم من الطفيليات المسببة لأمراض مثل البلهارسيا، لكنها أيضاً مسؤولة عن ردود الفعل التحسسية الشديدة مثل تلك التي تحدث في حالات الربو الحاد.
• جين يعمل بشكل مختلف. أوضح البروفسور
ديميتريس لاغوس، من كلية هال يورك الطبية في
جامعة يورك البريطانية، قائد فريق البحث، أن جين "مالات1" (Malat1) موجود لدى الجنسين، لكن يبدو أنه يعمل بشكل مختلف في خلايا الإناث مقارنة بخلايا الذكور.
وقال إن هذا الجين لا يصنع بروتيناً، بل ينتج جزيئات من نوع الحمض النووي الريبوزي "RNA"، ومع ذلك فإن تأثيره على جهاز المناعة كبير خصوصاً لدى الإناث.
ما الذي اكتشفه العلماء؟
كانت النتائج مفاجئة؛ إذ تبيّن أن إزالة الجين "مالات1" من إناث الفئران عطّلت النمو الطبيعي لخلايا مناعية مهمة تُسمى "Th2" في أثناء التهابات الرئة.
ونتيجة لذلك أصبحت هذه الخلايا تنتج كميات أقل من مواد تُسمّى "السيتوكينات" (cytokines)، وهي بمثابة رسائل تساعد جهاز المناعة على تنسيق دفاعاته ضد الأمراض.
ولم يظهر هذا الضعف عند الذكور؛ مما يشير إلى أن جين "مالات1" له دور أساسي في تنظيم مناعة الإناث بشكل خاص، وأن غيابه يُضعف قدرتها على مقاومة بعض الالتهابات.
أهمية الاكتشاف
لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟ غالباً ما تصيب أمراض، مثل الربو الحاد، أكثر من 240 مليون شخص حول العالم. وتشير التقديرات إلى أن نحو 60 في المائة من الحالات الشديدة تصيب النساء البالغات.
كما أن أمراض الطفيليات، مثل البلهارسيا، تؤثر على مئات الملايين، بينهم أعداد كبيرة من الفتيات والنساء في الدول النامية. ويقول البروفسور لاغوس، إن هذا الاكتشاف يساعدنا على فهم لماذا تستجيب النساء والرجال أحياناً بشكل مختلف تماماً للعدوى أو الحساسية أو حتى العلاجات المناعية.
ويؤكد أن العلاج نفسه قد لا يعمل بالفاعلية نفسها لدى الجنسَيْن.
علاجات مخصّصة لكل جنس
يشير الباحثون إلى أن فهم كيفية عمل هذا الجين قد يفتح الباب أمام تطوير علاجات مخصّصة للنساء، خصوصاً للأمراض التي تؤثر عليهن بشكل أكبر، مثل الربو الحاد أو بعض أمراض المناعة الذاتية.
ويضيف البروفسور لاغوس، قائلاً: إذا استطعنا تحديد الجينات أو العوامل التي تجعل جهاز المناعة لدى النساء أكثر عرضة لبعض الأمراض، فقد نتمكّن من تصميم أدوية أو طرق علاج تستهدف هذه العوامل تحديداً.
خطوة نحو طب أكثر دقة
ينضم هذا البحث إلى مجموعة متزايدة من الدراسات التي تؤكد أهمية أخذ
الجنس البيولوجي في الاعتبار عند تصميم العلاجات أو دراسة الأمراض.
فالاختلافات بين الرجال والنساء ليست محصورة في الهرمونات أو البنية الجسدية فحسب، بل تمتد إلى كيفية عمل جهاز المناعة على المستوى الجزيئي.
ويأمل العلماء أن تؤدي هذه الاكتشافات إلى تحسين العلاج والوقاية من الأمراض المناعية؛ مما ينعكس إيجاباً على صحة ملايين النساء حول العالم.