في الواقع، يُستخدم هذا التعبير لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة وبقراراتها الفعلية.
وظهر المصطلح بمفهومه الحديث في تركيا مع مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة عام 1923 ليصبح أكثر شيوعًا على أثر ذلك في الاتحاد السوفيتي بعد قيام بعض كبار قادة الشرطة والسياسة والمخابرات بتشكيل تحالف سري يرمي إلى السيطرة على الحزب الحاكم.
وكانت عبارة عن شبكة سرية عرفت باسم Derin Devlet، مؤلفة من مجموعات من الشرطة وضباط القوات المسلحة وبعض من رجال القضاء والبيروقراطيين ومجموعات أخرى.
ومهمّة هؤلاء كانت المحافظة على علمانية الدولة التركية التي أنشأها أتاتورك، وقمع أيّ أفكار أو حركات أو أحزاب أو أعضاء الحكومة التي من شأنها تهديدها.
وبمعنى آخر هي الدولة داخل الدولة التي يشكل والدعم الخارجي، القوى العسكرية والقوى الإثنية والدينية أهم عناصرها.
وأكثر الأمثلة شيوعًا عنها، الدولة العميقة أو المتجذرة في الولايات المتحدة الاميركية والتي تشكل وكالة الأمن المركزية واللوبيات لا سيما الصهيوني أبرز عناصرها، و الدولة المتجذرة في مصر المتمثلة بالجيش وكبار رجال الأعمال.
ورغم بدء هذه الظاهرة في تركيا، إلا أنه يبدو أنها كانت موجودة قبل ذلك من دون تسميتها. إذ كتب رئيس الوزراء البريطاني بنجامين دزرائيلي، عام 1844، أن العالم محكوم بأشخاص مختلفين اختلافاً شديداً عمّا يتخيلهم الناس الذين لا يعلمون بواطن الأمور، وهذا يعني أنهم ليسوا الملوك أو وزراءهم.
كذلك، يعتتقد أن أول من تحدث عن "الحكومة الخفية" هو الرئيس الأميركي الأسبق، ثيودور روزفلت، حين حذّر من هيمنة شبكات مالية على سياسة بلاده بالإضافة إلى الزعيم الألماني بسمارك الذي تحدث عن وجود قوى غير مرئية تدير دفّة العالم، أطلق عليها "جماعة ما لا يسبر غوره".
أمّا أول استخدام للمصطلح بشكل شبه رسمي فكان عام 1997 في جريدة “نيويورك تايمز” كوصف للحالة التركية حينها، وعرفتها بأنها: “مجموعة من القوى الغامضة التي يبدو أنها تعمل بعيدا عن القانون.
وتؤدي مكوّنات الدولة العميقة دورًا مهمًّا في بزوغ نجم رجال السياسة أو أفوله ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما حدث مع الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب. فرأى بعض المحللين السياسيين أن اصطدامه مع أركان هذه الدولة في بلاده ومهاجمتها في أكثر من تصريح وتغريدة عاملان أديا إلى إزاحته عن عرش البيت الأبيض.
وبالنسبة إلى العراق، تعود جذور الدولة العميقة إلى بدايات عام ۱۹۱۸ حيث تكونت أول مجموعة عسكرية خارج الأطر الشرعية، بدعم من سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك، وكانت تسمى حينها “الإدارة المدنية البريطانية” تتشابه نشاطاتها مع أعمال جمعية “الاتحاد والترقي” التركية، التي نشأت في ظلها مقدمات الدولة العميقة في تركيا.
لتتشكل مع استلام حزب العث مقاليد السلطة شبكة من رجال الجيش، والقوى الأمنية الداخلية، ورجال سياسة رفيعي المستوى.
أمّا بعد الغزو الأميركي عام 2003، بات من الصعب
حجيم دور القوى العميقة في العراق في ظل تنامي الدعم الخارجي لها وإعلان خططها أمام العيان، واعتراف بعض أعضاء الجهاز الإداري بشرعيتها.
ومن هنا فإن استخدام مصطلح الدولة العميقة من قبل المسؤولين العراقيين في الفترة الأخيرة لم يكن صدفة، بل نتيجة حتمية لتصدر القوى العميقة المشهد مع تحييد دور الحكومة الوطنية جانبًا.
وبالخلاصة، القوى العميقة أخذت مكانة شرعية مع الإشارة إلى أنها ترتكزعلى العوامل الطائفية لنشر سطوتها.