بصري يحنط أكثر من 700 حيوان في منزله ويحلم بجمعها في متحف

السومرية نيوز/ البصرة

 منذ منتصف التسعينات يسعى هشام خير الله إلى اقتناء مختلف أنواع الطيور والأسماك والحيوانات البرية لتحنيطها، وبمرور الزمن تحول بيته الصغير الواقع في إحدى قرى قضاء أبي الخصيب إلى متحف شخصي للمحنطات.
وتمكن خير الله من امتلاك وتحنيط أغلب أنواع الحيوانات المستوطنة في بيئة البصرة، ويحاول منذ العام الماضي الحصول على حيوانات مستوردة، وينصب طموحه على إنشاء متحف للتأريخ الطبيعي في المحافظة ليعرض فيه مئات الحيوانات التي حنطها باستخدام مواد باهظة الثمن وغير متوفرة محلياً.

 
أكثر من 700 حيوان محنط في بيت صغير

يقول خير الله في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "هواية التحنيط استهوتني وأنا بعمر 11 سنة، عندما شاهدت شقيقي وهو يحاول تحنيط عصفور للمشاركة في مسابقة مدرسية"، مبيناً أن "المحاولات الأولى جميعها فشلت، ثم تمكنت من تحنيط أرنب ودجاجة وضفدع باستخدام ملح الطعام ومحلول كحولي"، مضيفاً أن "منذ منتصف التسعينات أصبحت هواية التحنيط من أولوياتي في الحياة لما فيها من متعة، وأخذت أمارسها باحتراف رغم صعوبتها وتكاليفها الباهظة".

ويلفت خير الله الذي يعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية أن "في عام 2006 جمعت أكثر عدد من الحيوانات البرية والمائية والبرمائية التي تعيش في بيئة البصرة، بما فيها أسماك قرش صغيرة وأفاع وعقارب وصقور ونسور وبنات آوى"، مشيراً إلى أنه "منذ أواخر العام الماضي اتجهت إلى البحث عن حيوانات مستوردة، وحصلت لغاية الآن على كنغر صغير وقط شيرازي وأنواع من الحمام الأوربي وببغاء من أفريقيا، ومن المتوقع أن أمتلك خلال العام الحالي نمراً آسيوياً".

ويؤكد خير الله أن "الحيوانات المحنطة لدي بلغ عددها أكثر من 700، وآخر ما حنطته هو قط بري (وشق) اشتريته بمبلغ 600 ألف دينار من صيادين تمكنوا من إمساكه في منطقة الرميلة الصحراوية المتاخمة للأراضي الكويتية"، موضحاً أن "الحيوانات التي أحنطها معظمها أشتريها من تجار وباعة الحيوانات في سوق منطقة البصرة القديمة، كما أن صاحب حديقة الحيوانات الوحيدة في المحافظة يقدم لي من حين لآخر ما لديه من حيوانات مريضة أو نافقة".

 
مواد التحنيط غير متوفرة والرطوبة لا ترحم

وأشار محنط الحيوانات إلى أن "مواد التحنيط ومنها مادة (البوركس) غير متوفرة في الأسواق المحلية، وأضطر إلى إنفاق آلاف الدولارات على استيرادها عبر وسطاء من دولة الإمارات"، مبيناً أن أبرز مشكلة يواجهها تتمثل "بخزن الحيوانات المحنطة، بعد أن اكتظ المنزل بها، وأيضاً الرطوبة النسبية المرتفعة عدو لا يرحم المحنطات، كما أن انتشار الذباب المعدني والخنافس التي تأكل اللحوم الجافة أدى إلى تلف الكثير من النماذج".

ويضيف خير الله أن "مديرية التربية وافقت مؤخراً على تخصيص قاعة كبيرة لتكون معرضاً دائماً للحيوانات التي أحنطها، لكن طموحي يتجه إلى عرضها إلى متحف للتأريخ الطبيعي ليتسنى لكل الناس الإطلاع عليها وليس تلاميذ المدارس وحدهم".

خطوة باتجاه إنشاء متحف للتأريخ الطبيعي

وبحسب عضو لجنة التربية والتعليم في مجلس المحافظة غانم عبد الأمير فان "المعلم هشام خير الله لفت أنظار المسؤولين في مديرية التربية إلى موهبته في تحنيط الحيوانات بإتقان من خلال عرض بعض أعماله في معارض مدرسية"، مضيفاً في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "لجنة التربية والتعليم ستقترح بعد أيام قليلة على مجلس المحافظة تمويل مشروع من موازنة البصرة يقضي بإنشاء متحف للتأريخ الطبيعي يكون على غرار المتحف الذي كانت تمتلكه جامعة البصرة".
 
وكانت تضم البصرة متحفاً للتأريخ الطبيعي يحتوي مئات الحيوانات المحنطة، فضلاً عن هيكل عظمي لحوت متوسط الحجم، وكان يرتاد المتحف سنوياً آلاف العراقيين والأجانب، إلا أن المتحف تعرض في عام 2003 إلى النهب والتخريب.

دلافين وذئاب وقضاعات نادرة في بيئة البصرة

وتتميز محافظة البصرة بتنوعها الجغرافي والبيئي، حيث توجد مناطق الأهوار في أطرافها الشمالية، فيما تضم الأجزاء الغربية منها مناطق صحراوية تعد امتداداً للبادية الجنوبية، كما أنها تطل على شمال الخليج العربي من أقصى جنوبها، وقد أوجد التنوع البيئي والجغرافي حالة من التنوع الإحيائي الفريد من نوعه على مستوى المنطقة.

وتعيش في البصرة أنواع كثير من الزواحف بما فيها أفاع برية ومائية، ومن الحيوانات الثديية بنات آوى والغريري والخنازير والقطط البرية والذئاب العربية. أما البيئة البحرية فهي زاخرة بالتنوع الإحيائي، إذ تعيش في المياه الإقليمية العراقية التي هي جزء من الخليج أنواع كثيرة من الأسماك والرخويات والحيوانات الثديية المائية، ومنها بعض أنواع الدلافين، كما رصد مركز علوم أبحاث البحار عام 2010 حوتين صغيرين في المياه العراقية، وبالنسبة إلى أسماك القرش فهي شائعة منذ القدم، وتتسلل صغارها خلال فصل الصيف إلى شط العرب، وفي حالات نادرة تصل عبر شط البصرة إلى مناطق الأهوار، والأخيرة تقصدها مع بداية كل فصل شتاء نتيجة لاعتدال مناخها أعداد هائلة من الطيور التي تتكاثر فيها وتعود قبيل فصل الصيف إلى مواطنها الأصلية ضمن هجرات عابرة للقارات.

وفضلاً عن الحيوانات الشائعة تستوطن المحافظة حيوانات نادرة بعضها مهددة عالمياً بالانقراض، ومنها القضاعة ذات الفراء الناعم التي تعرف محلياً بـ"جليب الماي"، وهي من صنف الثدييات البرمائية التي تنتمي إلى فصيلة العرسيات، وقد أدرجها الإتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها IUCN  ضمن اللائحة الحمراء للحيوانات المهددة بالانقراض، وتعد أهوار العراق الموطن الأصلي لهذا النوع من القضاعات، وقد ساهم باكتشافه علمياً الرحالة وعالم البيئة كافن ماكسويل (1914-1969) عندما قام بشراء قضاعة من أحد أبناء الأهوار ونقلها معه إلى بريطانيا منتصف الخمسينات، ليكتشف العلماء أن الحيوان الذي بحوزة ماكسويل غير مصنف علمياً، وقد علق ضمن كتابه (قصبة في مهب الريح) على ذلك بقوله إن "الحيوان الوحيد الذي جلبته معي من الأهوار تبين أنه جديد على العلم".

بعد مرور أكثر من 60 عاماً على اكتشاف العلم للقضاعة ذات الفراء الناعم بفضل ماكسويل لم يتمكن محنط الحيوانات هشام خير الله من الحصول واحدة منها بسبب ندرتها في الأهوار وصعوبة اصطيادها، وفي محاولة منه لتعويضها قام بشراء وتحنيط قضاعة مستوردة وذات فراء خشن ليضمها إلى المحنطات التي يقضي جل وقته في تنظيفها والعناية بها.